الجريمة في المجتمع المصري: تحليل أسباب العنف المتزايد
=================================
الجريمة في المجتمع المصري: تحليل أسباب العنف المتزايد
الجريمة موجودة منذ الأزل؛ ولنا في قصة قتل قابيل لأخيه هابيل عبرة. ومع ذلك، هناك تساؤلات مهمة تُطرح حول الجرائم المنتشرة مؤخرًا، والتي تبدو جديدة على المجتمع المصري. هل كانت هذه الجرائم موجودة من قبل، ولم تكن تُنشر عنها أي أخبار؟ أم أنها ظاهرة جديدة في كل شيء؟ والسؤال الثاني، ما السبب في هذا العنف المتزايد بشكل غريب؟
هل الجرائم الحديثة جديدة أم قديمة؟
للإجابة على سؤال ما إذا كانت الجرائم المنتشرة حديثًا جديدة كليًا، أم أنها كانت موجودة سابقًا ولم تُسلط عليها الأضواء، يمكن القول إن الأمر يمثل مزيجًا من الأمرين. الجريمة، بطبيعتها، ظاهرة إنسانية قديمة قدم التاريخ؛ فأنواع الجرائم الأساسية كـالقتل، السرقة، والاعتداء موجودة منذ الأزل. وربما تكون بعض الجرائم التي نراها اليوم هي تطور لأشكال قديمة، أو تحدث بدوافع متشابهة ولكن بأساليب مختلفة. على سبيل المثال، العنف الأسري، وإن لم يكن "جديدًا" في جوهره، إلا أن الوعي المجتمعي به وطرق الإبلاغ عنه قد زادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
لكن هناك مستجدات ملحوظة في طبيعة الجرائم وانتشارها. مع التطور التكنولوجي وظهور الإنترنت، نشأت جرائم إلكترونية لم تكن موجودة من قبل، مثل الابتزاز الإلكتروني والاحتيال عبر الإنترنت. كما يُلاحظ ازدياد في مستوى البشاعة والوحشية في بعض الجرائم، وهو ما قد يكون مؤشرًا على تغيرات عميقة في السلوك الإنساني. علاوة على ذلك، تلعب سرعة انتشار الأخبار وتغطية الإعلام في عصرنا الحالي دورًا محوريًا في إحساسنا بأن هذه الجرائم "جديدة" أو "متزايدة". ففي الماضي، كانت الأخبار تنتشر ببطء أكبر، وقد لا تصل تفاصيل الجرائم إلا لدائرة محدودة. أما اليوم، فأي حادثة يمكن أن تنتشر على نطاق واسع في دقائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية المتعددة، مما يعطي انطباعًا بأنها أكثر شيوعًا.
أسباب العنف المتزايد بشكل غريب
السبب في هذا العنف المتزايد، كما تفضلت وذكرت، يمكن إرجاعه إلى الجهل الجمعي بماهية الحياة الحقيقية، ومن ثم الجهل بالدين (أي كان هذا الدين)، وجعل المادة الملموسة المتمثلة في المال فقط معيارًا لكل شيء. هذا التحليل عميق ويتوافق مع العديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية التي تربط بين:
ضعف القيم الأخلاقية والدينية: عندما تتراجع المبادئ الأساسية التي تحكم السلوك الإنساني، يصبح الفرد أكثر عرضة للانجراف نحو العنف والسلوكيات المنحرفة. الدين، أيًا كان، غالبًا ما يقدم إطارًا قيميًا يوجه الأفراد نحو التعاون والرحمة ونبذ العنف.
التركيز المفرط على المادة: تحوّل المال والثروة إلى المعيار الأوحد للنجاح والقيمة يؤدي إلى شعور البعض بـالإحباط واليأس إذا لم يتمكنوا من تحقيق هذه الأهداف بالطرق المشروعة. هذا قد يدفعهم إلى استخدام العنف كوسيلة لتحقيق مكاسب مادية، أو نتيجة للإحباط من الفشل. لقد تم تنحية القيم، أي كان مصدرها، من سلم الهرم في العقد الاجتماعي، وأصبحنا ندور في دائرة مفرغة.
دور ساحات الوعي (الإعلام والفنون): هنا تظهر قيمة العلماء الأجلاء في شرح نتائج الرأسمالية المتوحشة، والحداثة، والعلمانية العملية. يعلم الجميع أن فئة كبيرة من الناس ربما لم يسمعوا عن فلسفات الرأسمالية المتوحشة والحداثة والعلمانية العملية، ولكنهم يمارسون هذا عن طريق الجهل الجمعي. فقد رسخت تلك المفاهيم عن طريق ساحات الوعي من ميديا، وأفلام، ومسلسلات جعلت المال هو السيد المتسيد، وعن طريق برامج "التوك شو" وما بها من كوارث، وصولًا إلى برامج القنوات الدينية. هذه الوسائل تساهم في تزييف الوعي وترسيخ قيم مادية مضللة.
في النهاية، أرى أن تلك الجرائم هي إرهاصات لما هو قادم، لأن "إدارة التوحش" قد قلت من الأيادي، ولن يعود النظام إلا بعد أن تعم الفوضى الحقيقية. والله أعلى وأعلم.