=========
القهر الذاتي والكبت على كل المستويات، سواء كانت نفسية داخلية نابعة من صراعات غير محلولة، أو اجتماعية مفروضة بالتقاليد والقيم، أو اقتصادية وسياسية ناتجة عن الإحباطات المتراكمة، هي الأسباب الجذرية لكل النكبات. هذه العوامل تخلق حالة من الانسحاب الداخلي، وتؤدي إلى كبت الطاقات والإمكانيات على كافة الأصعدة. والنتيجة الحتمية هي ظهور ما يمكن تسميته بـ "الكائن الزومبي".
الكائن الزومبي
مسحوق داخليًا بفعل تلك الضغوط، يصبح هذا الكائن غير متواجد بفاعلية في الواقع المعاش، بل مهملاً ومنسيًا من قبل الكثيرين. يفقد القدرة على الإنتاج والإفادة، فلا يعود نافعًا لأي شيء ولا مفيدًا لأي أحد، حتى لنفسه. ولكن، يجد هذا الكائن ملاذه في العالم الافتراضي، حيث يصور لنفسه ولنا صورة زائفة ومبالغ فيها عن ذاته؛ فهو البطل المغوار في ساحات النقاش الوهمية، والفيلسوف الجبار الذي يطلق الأحكام دون أسس راسخة، وصاحب القلم البتار الذي يجرح دون وعي حقيقي بعواقب كلماته. إنه، في هذا العالم المصطنع، "الكائن الزومبي".
الكائن الزومبي
يمتلكه الوهم بأنه نصير المساكين، مدافعًا عن حقوقهم في الخفاء بعيدًا عن أي فعل حقيقي. يتوهم أنه قائد المثقفين، يوجه الرأي العام بكلمات جوفاء لا تحمل عمقًا أو رؤية. ويتملكه تصور زائف بأنه محرر المظلومين، بينما يكتفي بالتنظير العاجز عن إحداث أي تغيير ملموس. لقد نسي هذا الكائن، في خضم أوهامه، أنه الوهم ذاته، فقاعة صابون سرعان ما تنفجر عند أول احتكاك بالواقع.
الكائن الزومبي
قد يتصور البعض أنه فرد شاذ ونادر، لكن الحقيقة المرة هي أنه ملايين من الناس. تراهم ليل نهار منغمسين في هذا العالم الافتراضي، ولكن للأسف، غالبًا ما ننظر إليهم بعيون مغلقة عن حقيقتهم، وبقلوب مجروحة من تصرفاتهم، وبعقول مستريحة لا تسعى للفهم العميق. إن "الكائن الزومبي" ليس "هم"، بل هو انعكاس محتمل لضعف أو هروب موجود بداخل كل واحد منا.
الكائن الزومبي هو دون كيشوت العصر الحديث، فارس الأحلام الذي يحارب طواحين الهواء ويصنع أبطالًا وأشرارًا من وحي خياله، بعيدًا كل البعد عن تحديات الواقع ومشكلاته الحقيقية.
الكائن الزومبي
يعتنق دون أن يشعر ما يمكن تسميته بـ "سياسة القفز للأمام". هذه السياسة، الملخصة في ترك الواقع المعاش بكل تعقيداته ومناقشة الأمنيات والأوهام البعيدة المنال، هي آلية للهروب من مواجهة الذات والمسؤوليات. ومن أمثلة هذه السياسة لدى "الكائن الزومبي" نمطان رئيسيان:
الأول هو المؤيد المتعصب لكل النخب، الذي يتصرف وكأن هذه النخب منزهة عن الخطأ ("لا يأتيها الباطل من بين يديها" – تشبيه للتدليل على التبرير الأعمى). وبالتالي، يقوم بتبرير كل أقوالها وتصرفاتها بشكل غير منطقي، ضاربًا بعرض الحائط كل القيم والمبادئ العقلية، بل ويستخدم الدين أسوأ استخدام عن طريق لي عنق الآيات لتناسب تبريراته السطحية.
الثاني هو المعارض لكل النخب، باستثناء تلك التي تنتمي إلى نفس دائرته الضيقة أو توجهاته. تجده ينطلق من أعلى الأمنيات المثالية التي يصعب تحقيقها على المدى القريب أو حتى البعيد. يتشدق بالحديث عن معاناة الآخرين في كل أنحاء العالم ليصور لنفسه ولنا صورة الإنسان المتعاطف، ولكن عندما تسأله عن قضايا وهموم أبناء وطنه بشكل شخصي وملموس، غالبًا ما يكون جوابه هو التهرب أو الإحالة إلى القدر ("الله يفعل ما يشاء").
ومن الأمثلة الأخرى على "سياسة القفز للأمام" لدى "الكائن الزومبي":
النوع الأول (المؤيد للنخب): إذا رأت النخبة أن شخصًا ما سيئ حتى لو كان يتمتع بفضائل، تجده يتفنن في اختلاق الأكاذيب والأباطيل لإثبات ذلك، والعكس صحيح إذا أشادت النخبة بشخص آخر.
النوع الثاني (المعارض للنخب إلا من قبيلته): ينطلق من أمنيات خيالية بعيدة التحقيق، ويتظاهر بالبكاء على حال العالم بينما يتجاهل مشاكل مجتمعه القريبة.
مثال آخر: إذا تفوه قائد ما بكلمة عابرة أو طرح موضوعًا بسيطًا، تجد جماعات من المؤيدين المتحمسين يصورون هذه الكلمات على أنها درر نفيسة وحكمة بالغة، حتى لو كان هذا القائد مجرد شخصية وهمية لا تملك أي تأثير حقيقي.
الكائن الزومبي
متدين وورع وتقي في تصوره الذهني وفي عالمه الوهمي فقط. أما في الواقع، فتدينه غالبًا ما يكون قناعًا أو مجرد مجموعة من الطقوس الخالية من الجوهر الحقيقي، لأنه يستند إلى فهم سطحي أو حتى دين اخترعه ليناسب أهوائه وتبريراته، وليس الدين الحق بتعاليمه وقيمه السامية. وهذا ينطبق على أتباع مختلف الأديان الذين يحولون الدين إلى أداة لتحقيق مصالحهم أو تعزيز أوهامهم.
الكائن الزومبي
يعشق السلطة ومن هم في مواقع النفوذ، سواء كان مؤيدًا لهم أو معارضًا بشكل سطحي. فالسلطة، هنا ليس فقط الحكم السياسي، بل أيضًا سلطة النخب الفكرية والإعلامية والاجتماعية في كل مكان، هي بمثابة الأكسجين الذي يتنفسه هذا الكائن. إنها تمنحه شعورًا زائفًا بالقيمة والوجود والانتماء، حتى لو كان هذا الانتماء مبنيًا على وهم وتبعية عمياء.
الفلسفة، بما تعنيه من تفكير نقدي ووعي بالذات ومحاولة فهم الواقع بعمق، هي الخيار الوحيد للخروج من هذه الحالة. أما الاستمرار في الأوهام والهروب من الواقع، فإنه لا يؤدي إلا إلى الجنون أو ما هو أسوأ: الموت الإكلينيكي، حيث يصبح الإنسان جسدًا بلا روح، لا يتحرك ولا يؤثر، تمامًا كالموتى.
زومبي أو الكسالى (بالإنجليزية: Zombie) هو الجثة المتحركة التي أثارتها وسائل سحرية مثل السحر؛ وغالبًا ما يطبق هذا المصطلح المجازي لوصف شخص منوم مجرد من الوعي الذاتي. منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقد اكتسبت شخصية الزومبي شعبية ملحوظة، خاصة في أمريكا الشمالية والفولكلور الأوروبي. وفي العصر الحديث، تم تطبيق مصطلح "الزومبي" على الموتى الأحياء في أفلام الخيال المرعب.