عطر: قصة قاتل": عندما يُهان المقدس باسم الإبداع - نظرة أعمق في رمزية مسيئة

 عطر: قصة قاتل":

 عندما يُهان المقدس باسم الإبداع - نظرة أعمق في رمزية مسيئة

------------------------------------------------



فيلم "Das Parfum – Die Geschichte eines Mörders" أو "عطر: قصة قاتل" ليس مجرد عمل فني يروي سيرة صانع عطور عبقري ولكنه مضطرب، بل هو عمل يثير في النفس شعورًا عميقًا بالقلق والريبة. فبينما تتبع الكاميرا رحلة جان باتيست غرينوي الاستثنائية والهوسية لخلق العطر المثالي، تتكشف أمام أعيننا طبقات رمزية مقلقة للغاية، تشير بوضوح إلى إسقاطات مسيئة ومحاكاة ساخرة لشخصية السيد المسيح عليه السلام ورحلته المقدسة، وتقترب بشكل سافر من تدنيس رموز دينية تحمل قيمة عظيمة لملايين الأشخاص حول العالم.

إن الخبث الكامن في هذا العمل السينمائي يتجلى بوضوح في التوازي المثير للريبة، بل والمقصود، بين تفاصيل حياة غرينوي وتفاصيل حياة السيد المسيح. فبداية غرينوي البائسة في أكثر الأماكن قذارة في باريس وولادته من أم تخلت عنه في سوق نتن، تذكرنا بشكل صارخ بظروف ميلاد السيد المسيح المتواضعة في مذود. نشأته القاسية وتحمله للآلام والعذاب في طفولته وشبابه تعكس الصعوبات والتحديات الجسدية والروحية التي واجهها السيد المسيح في حياته ورسالته.

يبلغ الاستفزاز ذروته في سعي غرينوي الجنوني لابتكار "العطر المثالي"، والذي يطلق عليه اسم يحمل في طياته دلالات دينية عميقة: "الحب والروح"، مشيرًا بوضوح إلى مفهومي الناسوت واللاهوت في المسيحية. لكن الطريقة البشعة والمروعة التي يسلكها غرينوي للحصول على مكونات هذا العطر الفريد، من خلال قتل 12 فتاة عذراء واستخلاص ما يسميه "جوهرهن"، تمثل تدنيسًا صارخًا لمفهوم العذرية والنقاء الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسيدة مريم العذراء، وتوازيًا بغدد الحواريين الاثني عشر الذين كانوا أقرب تلاميذ السيد المسيح. هذا التصوير البشع يستغل رمزًا دينيًا مقدسًا ويحوله إلى أداة للجريمة والتشويه.

إن وجود اثنتي عشرة زجاجة عطر مكتملة وزجاجة فارغة في صندوق غرينوي يضيف طبقة أخرى من الرمزية المقلقة والمريبة، حيث يمكن تفسير الزجاجة الفارغة على أنها إشارة متعمدة إلى عدم اكتمال "الناسوت واللاهوت" في هذا التصوير المشوه والمنحرف للشخصية المقدسة، مما يثير تساؤلات حول النظرة التي يتبناها صناع العمل تجاه هذه المفاهيم الدينية.

مشهد القبض على غرينوي من قبل السلطات ومحاولة صلبه أمام الجموع الغاضبة يمثل محاكاة مؤلمة ومستفزة لمحاولة صلب السيد المسيح، وهو حدث مركزي في العقيدة المسيحية. لكن "خلاصه" لا يأتي من قوة إلهية أو معجزة، بل من خلال عطره الساحر الذي يمتلك قوة خارقة على الحواس، والذي ينثره على الجموع ليُرى بريئًا ويهتف الكهنة بأنه ملاك، في تلاعب واضح ومستهزئ بصورة المعجزات والإيمان الحقيقي، مما قد يؤثر سلبًا على تصور المشاهدين لهذه المفاهيم المقدسة.

تعطير غرينوي لمنديله وقذفه على الجموع المسحورة بعطره، والذي يسحرهم جميعًا ويوقعهم في حالة من الفوضى والنشوة الحسية، باستثناء والد إحدى ضحاياه الذي يبقى متأثرًا بحزنه، يبدو وكأنه إشارة ساخرة ومبتذلة إلى تأثير تعاليم الإنجيل، التي تؤثر في الكثيرين ولكنها لا تصل إلى قلوب البعض الآخر. بكاء غرينوي وطلبه الغفران بشكل سطحي من والد الفتاة يمثل اعترافًا مشوهًا وغير صادق بالذنب الذي ارتكبه، ويقلل من قيمة مفهوم التوبة في الأديان.

تصل الإساءة إلى ذروتها في النهاية الأكثر إثارة للاشمئزاز، عندما يسحر غرينوي جميع سكان المدينة بعطره الخارق وينغمسون في حالة من الفجور والرذيلة الجماعية، ثم يعود إلى مكان ولادته البائس ويرش العطر على نفسه ليقع فريسة للصوص والمشردين الذين يلتهمونه حيًا ويُمحى من الوجود، مع التركيز بشكل خاص على فراغ زجاجة العطر الأخيرة. هذه النهاية البشعة والمروعة تبدو وكأنها محاكاة ساخرة ومستهزئة لصعود السيد المسيح بروحه إلى السماء، مع دلالة ضمنية على فراغ "الجوهر الإلهي" بعد هذا "التجلي" المشين والمهين.

يزيد من وطأة هذه الإساءات تعليق الراوي في الفيلم، الذي يصف كيف استيقظ الشعب على صداع رهيب أثر "الشراب" (العطر)، وأن تجربتهم كانت مروعة وغير متلائمة مع أخلاقهم التي مُحيت تمامًا، مع تلميح ضمني وخطير بأن أخلاق الشعب كانت أفضل قبل مجيء السيد المسيح ورسالته. وربط الراوي بشكل سافر بين "أثر الشراب" وبين مقولة كارل ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" يمثل قمة الاستهزاء بالدين وتأثيره الروحي والأخلاقي على المجتمعات، ويحمل في طياته تقليلًا من قيمة الإيمان والأخلاق الدينية.

إن اختيار مهنة صانع العطور في هذا السياق ليس خيارًا فنيًا بريئًا أو عشوائيًا، بل يبدو إسقاطًا متعمدًا ومسيئًا على قصة دهن السيد المسيح بالعطور كما ورد في الأناجيل، وتحويل هذه الصورة المقدسة التي تحمل معاني التضحية والتكريم إلى فعل قتل واستغلال بشع ومقزز، مما يثير تساؤلات حول الرسالة الحقيقية التي يسعى الفيلم إلى إيصالها.

إنني، كمسلم أؤمن بالله الواحد الأحد وأجل وأحترم جميع الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله لهداية البشرية، وعلى رأسهم سيدنا عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وأكرم السيدة مريم العذراء تكريمًا عظيمًا كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42]، أعلن رفضي القاطع واستنكاري الشديد لهذا النوع من "الإبداع" الزائف الذي يتعدى حدود الأدب والفن ليطال مقدسات الآخرين ويهين معتقداتهم الدينية السمحة، ويترك آثارًا سلبية على التفاهم والاحترام بين أتباع الديانات.  

إن الإبداع الحقيقي لا يمكن أن يقوم على الاستهزاء بالرموز الدينية وتدنيسها أو استخدامها كأدوات للسخرية والتشويه. إنها ليست حرية تعبير مسؤولة، بل هي إساءة متعمدة تهدف إلى إثارة الكراهية والفتنة بين أتباع الديانات المختلفة، وتقويض أسس الحوار والتسامح. سحقًا لكل عمل فني يستغل ستار الفن كغطاء لإهانة المقدسات وتقويض القيم الإنسانية النبيلة. وتبًا لكل من يروج لهذا النوع من الإلحاد المبطن الذي يسعى لهدم أسس الإيمان والاحترام المتبادل بين بني البشر، ويساهم في نشر التعصب والفرقة في المجتمعات.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.