غياب التيارات الفكرية: قراءة في أسباب التدهور الفكري.

  • غياب التيارات الفكرية:
  •  قراءة في أسباب التدهور الفكري.
  • ==================\



    التيارات الفكرية: أزمة الغياب وسبل النهوض

    التيارات الفكرية تمثل منظومة تفكيرية تنطلق من "فكرة" لتتبلور لاحقًا في إطار تحزبي وتنظيمي أوسع. هذا الإطار يتجاوز مجرد التناول السطحي للحقائق، ليغوص في عالم الأفكار والنظريات المتعددة الأوجه. فما يراه البعض صوابًا، قد يراه آخرون خطأً، وهو اختلاف جوهري في مفاهيم غالبية الناس.

    تتسم التيارات الفكرية بالتنوع والانتشار الواسع؛ فهي أشبه بطوفان من الأفكار والمعتقدات، حيث يحمل كل فرد أو جماعة فكرًا وعقيدة، ويدعو إلى مبادئ ووجهات نظر وتوجيهات محددة. وتتنوع هذه الأفكار تبعًا للاتجاه الذي يتبناه الداعون إليها. ومع ذلك، لم تحظَ هذه التيارات والأفكار بالقدر الكافي من الدراسة والتحليل العميق للصراعات الكامنة فيها.

    يشير مصطلح "التيار" في سياق الفكر إلى الحركات الفكرية التي تتبناها مجموعات تسعى إلى إحداث تغيير جذري في النظام القائم بأبعاده المختلفة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، واستبداله بنظام جديد يحمل رؤى وأفكارًا مغايرة. وتجدر الإشارة إلى أن استمرار هذه التيارات يعتمد بشكل كبير على تحولها إلى كيانات مؤسسية كالأحزاب أو التنظيمات ذات الدساتير والمبادئ والأهداف الواضحة، فضلًا عن حضورها السياسي الفاعل.

    من أبرز التيارات والحركات الفكرية التي شهدها التاريخ: الاستشراق، والتبشير، والماسونية، والصهيونية، والعلمانية، والقومية، والتغريب، والوجودية، والبهائية، وغيرها.

    أنواع متعددة للتيارات:

    تتعدد أنواع التيارات لتشمل مجالات أخرى مثل:

    • التيار السياسي.
    • التيار التكنولوجي.
    • التيار الاقتصادي.
    • التيار الشعوري.

    السؤال المركزي: لماذا تفتقر مجتمعاتنا إلى تيارات فكرية راسخة؟

    إن الإجابة المباشرة والمؤلمة لهذا السؤال تكمن في ندرة المثقفين الحقيقيين القادرين على قيادة وصياغة هذه التيارات. ففي كثير من الأحيان، يبرز في المشهد العام أفراد يتم اختيارهم بناءً على دوافع شخصية أو نقائص روحية أو طموحات مادية، مما يجعلهم أكثر عرضة للتوجيه والسيطرة، وأقل قدرة على التفكير النقدي المستقل.

    تتجلى إحدى أبرز مهام هؤلاء الذين يتم ترويجهم في التجهيل الممنهج للرأي العام، وزعزعة الثوابت الدينية والقيم المجتمعية بأساليب متنوعة، تتراوح بين النعومة المخادعة في فترات معينة والحدة الصارخة في فترات أخرى.

    يضاف إلى ذلك قمع أي محاولة لظهور فكر نقدي مستقل، مما يؤدي إلى إحباط المثقفين الحقيقيين ودفعهم إلى هامش الحياة العامة. فبدلًا من تقديرهم وتشجيعهم، يجدون أنفسهم في مواجهة حملات تشويه وتشويه للسمعة تقودها أصوات نشاز تتصدر المشهد.

    ولعل مثال الجدل النقدي حول الحداثة في الأدب في ثمانينيات القرن الماضي يوضح هذه النقطة. ففي الوقت الذي حاول فيه بعض النقاد (الذين وصفهم الكاتب بـ "الزائفين") ترويج أفكار حداثية سطحية، ظهرت أصوات فكرية عميقة كصوت الدكتور عبد العزيز حمودة الذي فضح بوضوح ضحالة طرحهم الفكري من خلال ثلاثيته الهامة ("المرايا المحدبة" - "المرايا المقعرة" - "سلطة النص"). هذا المثال يوضح كيف يمكن لظهور أصوات قوية أن يكشف الزيف، لكنه قد لا يؤدي بالضرورة إلى تشكيل تيارات فكرية واسعة ومستدامة في ظل البيئة العامة المثبطة.


    إن ما نعانيه ليس غيابًا للأفكار تمامًا، بل غيابًا لبيئة صحية لتداول الأفكار ونضوجها. فبدلًا من اختلاف ثري يؤدي إلى تلاقح الأفكار وتكوين تيارات حقيقية ذات أتباع، يسود التعارض والتناحر، وينبع ذلك جزئيًا من وهم امتلاك الحقيقة المطلقة لدى الكثيرين.

    من الطبيعي أن نختلف، ولكن غير الطبيعي هو ممارسة الإرهاب الفكري والتحرش اللفظي تجاه المخالفين، مما يخنق أي مساحة للحوار البناء.

    رؤية ذاتية نحو التغيير:

    قد يبدو سعيي نحو العقلانية في هذا المناخ المضطرب ضربًا من الوهم أو السباحة ضد التيار. ربما أكون مدفوعًا بحلم بواقع مختلف يقوم على أسس عقلانية ومنطقية. قد أكون مخطئًا في التعبير عن دواخلي، أو جاهلًا بالواقع المليء بالعيوب.

    ورغم كل هذه الاحتمالات، فإنني مقتنع بضرورة الكتابة، وهذا ليس ادعاءً بمكانة أدبية رفيعة، ولا تجميلًا لواقع مؤلم، بل محاولة جادة لخلق تيار فكري قوامه العقلانية في مجتمع يعاني من فوضى الأفكار.

    إنها محاولة لإيقاظ العقول التي استسلمت للخرافات والأساطير المتنوعة، ولهدم الأصنام الفكرية الراسخة في وجداننا. إنها سعي لتعريف الإنسان بجوهره الحقيقي، وصناعة نوع من القلق الإيجابي الذي يدفع النفوس الحائرة إلى إعادة فحص المسلمات الخاطئة.

    أتمنى أن تكون كلماتي بمثابة مرآة تعكس حقيقة ما نعيشه من ضلالات فكرية. سأستمر في الكتابة، إيمانًا مني بأننا نستحق واقعًا أفضل، وأننا لا نقل شأنًا عن أي أمة نهضت وأمسكت بزمام التقدم. نمتلك كل المقومات اللازمة للريادة، وما ينقصنا هو الثقة والمعرفة الحقيقية والعلم النافع. نحن نستحق الأفضل.

    التعليقات
    0 التعليقات

    ليست هناك تعليقات :

    إرسال تعليق

    مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

    يتم التشغيل بواسطة Blogger.