غريزة أساسية: تحليل سيكولوجي للتلاعب والدوافع الخفية


غريزة أساسية: تحليل سيكولوجي للتلاعب والدوافع الخفية
============


"شاهدت فيلم

غريزة أساسية

بطولة

  • شارون ستون
  • مايكل دوغلاس
  • جورج دزوندزا
  • جين تريبلهورن
  • الموسيقى: جيري غولدسميث
  • الكاتب: جو إيسترهاس
  • المخرج: بول فيرهوفن

تدور أحداث الفيلم في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية حول سلسلة من جرائم القتل الجنسية التي كان ضحيتها الرجال. يُكلَّف المحقق "نيك كوران" (مايكل دوغلاس) بمتابعة القضية، مما يقوده إلى الشابة الشقراء فاتنة الجمال "كاثرين تراميل" (شارون ستون)، التي كانت على علاقة مع آخر قتيل، "جوني بوز"، في منزل شاطئي.

يمكن تصنيف الفيلم على أنه جنسي وبوليسي في آن واحد، نظرًا لتركيزه على البحث عن القاتل طوال مدة عرضه. ومع ذلك، يظل التصنيف السيكولوجي هو الأساس؛ إذ يكشف الفيلم كيفية التلاعب بالعقول عبر التصورات الذهنية المسبقة والتشوهات النفسية (كالغيرة والحقد)، واستغلال المعرفة والعلم في الشر وضد الإنسانية.

لذا، أرى أن تسمية الفيلم بـ"غريزة أساسية" كانت نوعًا من التلاعب بمشاعر المشاهدين، خاصةً أن شهرة الفيلم الأساسية تعتمد على مشاهد العري لشارون ستون. فالغريزة الأساسية هنا هي رغبة الكاتب العبقري في التلاعب بالمشاهد من خلال ما يتوهمه عقله الباطني والتصورات الذهنية المعلبة من لحظة البداية إلى النهاية.

تتعدد الخيوط المؤدية إلى القاتل المحتمل، مما يزيد الأحداث تعقيدًا:

  • الخيط الأول: تشير كل الشواهد إلى أن القاتلة هي "كاثرين تراميل" (شارون ستون)، لكن الخيط ينقطع بعد اعترافها بأنها ألفت كتابًا وضعت فيه كافة تفاصيل القتل.
  • الخيط الثاني: تظهر صديقة البطلة، وهي صديقة حميمة لها، كقاتلة محتملة، حيث إن لديها الدافع لقتل الضابط بسبب العلاقة الناشئة بينه وبين المتهمة الأولى، بدافع الغيرة والمتعة الجنسية.
  • الخيط الثالث: الضابط المشرف على ضابط التحقيق يسلم "كاثرين" التحقيقات التي تمت مع ضابط التحقيق بسبب حادثة سابقة، ثم يُقتل بعد مشادة مع ضابط التحقيق (البطل)، الذي يُتهم بقتله. وهنا تظهر عبقرية الكاتب والمخرج في إظهار تماهي ضابط التحقيق مع المتهمة الأولى، سواء من حيث الأداء أو الحوار.
  • الخيط الرابع: الطبيبة النفسية التي حققت مع ضابط التحقيق بعد حادثته السابقة، والتي نشأت علاقة بينه وبين المتهمة الأولى، تكشف أنها كانت طالبة معها مارست معها الجنس أثناء الدراسة، وأن الطالبة حاولت تقليدها في كل شيء، حتى لون الشعر. لكن بعد البحث يكتشف الضابط أن العكس هو الصحيح، وأن زميلتها بالدراسة هي من كانت تقلدها.
  • الخيط الأخير: يُقتل زميل الضابط على يد شخص مبهم، لكن بحدس الضابط يشعر بوجود فخ لزميله، ولكنه لا يستطيع إنقاذه. في تلك الأثناء، تظهر الطبيبة وتدعي أنها جاءت بناءً على طلب زميله، لكنه يقتلها لشكه في أنها تحمل مسدسًا، ليكتشف لاحقًا أنها تحمل فقط مفاتيح شقة كانت على علاقة سابقة بها.

بعد البحث، يتبين أن الضابط المقتول لم يرسل إشارات إلى الطبيبة، ويتم تفتيش شقتها، حيث يُعثر على مسدس بذات العيار الذي قُتل به الضابط المشرف (الخيط الثالث المقطوع)، وكتب البطلة (المؤلفة)، وصور لها أثناء الجامعة بشعرها الأسود، مما يكذب ادعاءها بأن البطلة كانت تقلدها.

ومع ذلك، لا يترك المخرج والمؤلف المشاهد يرتاح إلى استنتاج أن الطبيبة هي القاتلة، بل ينهون الفيلم بعلاقة حميمة بين الضابط والبطلة المؤلفة، ووجود مفك تكسير الثلج تحت السرير، في تلاعب مقصود بالمشاهد.

الفيلم سيكولوجي من الدرجة الأولى، ويحمل لمسة هيتشكوكية، وإن كان يتميز بالغموض المفتوح وليس المغلق، حيث تظل عدة خيوط غير موصولة إلى نهايات واضحة.

جوهر الفيلم قائم على شخصية قاتل هو في الأصل طبيب نفسي، مما يعني وجود دراسة للنفس البشرية، ولكن مع تشوهات نفسية، نكون أمام كارثة متحركة.

وكما يصف أحد الدكاترة الذي استعانت به الطبيبة (وهو يقوم بتدريس علم الأمراض والسلوكيات النفسية وفي فريق الأمراض النفسية بقسم القضاء): "(شخص مهووس لأنه يقوم بقتل ضحية بريئة بغرض إلصاق التهمة على الشخص الذي كتب ذلك الكتاب - وهي أشياء راسخة من الهواجس والضغائن ونقص كلي في احترام الحياة البشرية - إنكم تتعاملون مع شخص منتهى الخطورة ومريض جدًا)".

للاستمتاع بالفيلم وحبكته الدرامية ودراسة كيفية التلاعب بعقول البشر، يجب إبعاد فكرة أنه فيلم جنسي فقط، فهو متعة خاصة، ومكتوب بعناية فائقة، وسيناريو فوق الممتاز، حيث لم يترك شاردة ولا واردة في تشتيت ذهن المتفرج إلى آخر لحظة، حتى يرسخ في ذهنه شعار "لا تترك عقلك لأي أحد - حتى نحن صناع الفيلم".

الإخراج مذهل؛ فقد جعل الشريط السينمائي ينساب في سلاسة منقطعة النظير وطبيعية جدًا، لدرجة أن المشاهد لا يشعر بوجود المخرج أصلًا، وهذا في رأيي قمة الإخراج. ومن أجمل ما في الفيلم التصوير الخارجي، حيث اللقطات المفتوحة المريحة للعين، وكأنها رسالة مفادها: "لا تنظر للأشياء منفردة، ولكن ضعها في الإطار الأكبر لترى الصورة المتكاملة".

الموسيقى، من وجهة نظري المتواضعة، هي أحد الأبطال الحقيقيين في الفيلم؛ فقد قرأ المؤلف الموسيقي السيناريو جيدًا، ووضع موسيقاه من خلال الأوركسترا بحيث تشعر أن الصراعات النفسية مترجمة على الآلات، وأن الهارموني الصاعد منها يجعلك داخل الكادر السينمائي وليس خارجه كمتفرج.

أداء كل الممثلين طبيعي جدًا، ولا تشعر بوجود تمثيل - لأن الممثل حين يمثل، لا يمثل. طبعًا كان أداء مايكل دوجلاس مبهرًا، كأنه قائد لفريق العمل وليس بطلاً فقط.

شارون ستون، بعيدًا عن المشاهد الجنسية، كانت معبرة جدًا في تجسيدها لشخصية الضحية من خلال وفاة الأبوين وأيضًا خطيبها، وهي، للأسف، متهمة ضعيفة داخليًا ومنتهى القوة خارجيًا.

الفيلم لا يُرى من خلال المشاهد المتحركة على الشاشة الفضية فقط، ولكن من خلال السبر لأغوار الأحداث وطرح الأسئلة عن النفس البشرية.

بقلم محسن باشا

9-12-2014"


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.