يظنون أني تشاغلت عنك؟ واهمون هم، بل جاهلون بالنبض الخفي الذي يربط روحي بروحك. كيف لي أن أنشغل عن ضياء عيونك الساحرة، تلك النجوم التي تهدي خطواتي في عتمة الحياة؟ كيف لي أن أنشغل عن كلماتك الباهرة، تلك البلسم الشافي الذي يداوي جراح قلبي؟ كيف لي أن أنشغل وأنا أعلم منزلتي في قلبك، وأعلم من أكون عندك... أنت عالمي، وأنا جزء من هذا العالم، ولا معنى لوجودي دونك. فالانشغال إن حدث، فلن يكون إلا بكِ وحدك. ما يكتبه قلبي لك الآن ليس مجرد كلمات، بل دموع العريني تنطق بحنينها وعشقها الأبدي.
يا لحلاوة هذا الصلح! ويا لقوة كلماتها التي أعادت الحياة إلى قلبي!
غضبتُ منها، وتخاصمنا، ومرت الأيام ثقيلة، شعرت بفراغ قاتل في عالمي، كأن الألوان قد بهتت والصوت قد خفت. وعندما هاتفتها، وبمجرد أن نطقتُ بكلمة، وجدت دموعي تنهمر كالشلال، تكشف عن مدى هشاشة روحي بدونها. فقالت بصوت رقيق حزين: "إلا دموعك أنت! أنت النموذج لنا، أنت القدوة لنا، أنت الكبير لنا." عندما سمعت كلماتها تلك، شعرت بمسؤولية عظيمة ممزوجة بفخر عميق بحبها وثقتها بي.
قلتُ بضعف: "لكنني أنا أيضًا إنسان يا حبيبتي، والقلب يوجع."
فقالت بحكمةٍ تفوق عمرها: "الإنسان الحقيقي يغفر الصغائر من الصغار، ويسامح أحبابه، لأن أفعالهم الصغيرة ما هي إلا نوع من الدلال عليك، تعبيرًا عن قربهم وحبهم." أتذكر الآن بعض تلك اللحظات الصغيرة التي كانت تعبر بها عن حبها بطريقتها الخاصة.
قلتُ بعتاب: "علمتِ بغضبي ولم تفعلي أي شيء لتراضيني."
فقالت بصدق مؤثر: "لأنني كنت أعاقب نفسي بحرمانها من الحياة. أنت الحياة لي، فكيف لي أن أحيا وأنا من أغضبك؟ لم أفعل أي شيء لأنني كنت في عداد الأموات، وعندما هاتفتني الآن، فكأن الروح عادت إلى جسدي." كلماتها تلك أيقظت فيني إدراكًا أعمق لقيمة وجودي في حياتها.
ثم توسلت إليّ برجاء: "أرجوك، لا تسحب روحي مني بغضبك مني. لن أقول إني أحبك، ولا أني أعشقك، سأقول فقط: أنت الحياة، وبعدك الموت، والموتى لا يفعلون أي شيء للأحياء." شعرت حينها بثقل كلماتها يخترق قلبي.
فصرختُ فيها بقلبٍ متعب مشتاق: "كفى! سامحتكِ."
فرأيت السعادة تغمرها، وتملأ عينيها ببريق أشد من لمعان النجوم في ليلة صافية.
"ألا تشتاقين لي؟" سألتها بلهفة، اشتقت لدفء صوتها، لضحكتها التي تضيء أيامي.
فأجابت بصدقٍ ساحر: "كيف أشتاق لك وأنت الهواء الذي أتنفسه، وأنت النور الذي أراه، وكلماتك التي تطربني ليل نهار، وأنت الهالة التي تغلفني عن كل الناس؟"
قلتُ بوجد: "ولكنني أشتاق لكِ أنا."
فقالت بحنانٍ عميق: "أغمض عينيك، ستسمعني وتراني، لأنني جزء منك. أنت الكل الحاضن لكل الأجزاء، وأنا جزء منك." أغمضت عيني، وشعرت بوجودها يلفني كغطاء دافئ، سمعت صدى صوتها في أعماقي.
فانتشيتُ بكلماتها، وضحكتُ من أعماق قلبي، حتى رأيت كل السعادة تنعكس في عينيها الجميلتين، مؤكدة لي أن أرواحنا حقًا واحد، لا يفصلها زمان ولا مكان.