ضجيج الشعارات وأين الفعل؟ نظرة في حال أمتنا

 

ضجيج الشعارات وأين الفعل؟ نظرة في حال أمتنا
==========================




"يا أهل الخير، يا أمة الإسلام، يا من تشاهدون وتسمعون ما يحل بأمتنا من مصائب وفتن! وسط هذا الضجيج الهائل، هذا الهبل الجمعي الذي يكاد يصم الآذان ويطمس البصائر، وسط هذه الصرخات المتعالية باسم الدين والقضايا المقدسة، أين الحقيقة؟ أين الفعل الصادق الذي ينبع من فهم حقيقي لديننا وقيمنا؟

كم نسمع عن سوريا الجريحة، عن الأقصى الأسير، عن دماء تسيل، وعن حقوق مهدرة. وكم منّا يكتفي برفع الشعارات، أو ترديد العبارات الرنانة، أو إطلاق التغريدات الغاضبة؟ أقول لكم بصدق ومن أعماق قلبي: إذا أردنا نصرة حقيقية لسوريا أو للأقصى أو لأي قضية عادلة، فإن البداية الحقيقية تكون من داخل كل واحد فينا.

كن إنسانًا بحق، إنسانًا له جوهر وقيمة، إنسانًا يتمتع بمبادئ ثابتة لا تتغير بتغير الأهواء والظروف. كن إنسانًا يعرف الحق ويسعى إليه، لا أن يكون مجرد ببغاء يردد ما يسمعه من هنا وهناك. اعرف دينك بنفسك، ابحث، تدبر، تفكر في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. لا تجعل دينك مجرد ميراث تتلقاه عن الآباء والأجداد أو عن فلان وعلان من الشيوخ. الدين نور وبصيرة، يحتاج إلى سعي واجتهاد لفهمه.

تأملوا في شعائرنا الإسلامية العظيمة. الصلاة ليست مجرد حركات وأقوال روتينية، بل هي صلة بالله، هي تطهير للقلب، هي مدرسة لتهذيب النفس والانضباط. الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تدريب على الصبر والتحمل، وشعور بمعاناة الآخرين، ووسيلة للارتقاء بالروح. الزكاة ليست ضريبة تؤخذ قسرًا، بل هي تطهير للمال ونماء له، وتكافل اجتماعي يسد حاجة المحتاجين. الحج ليس مجرد رحلة سياحية دينية، بل هو تذكير بالوحدة والأخوة الإسلامية، وتجديد للعهد مع الله. هذه الشعائر وسائل عظيمة، ولكنها ليست هي الغاية القصوى. الغاية الأسمى هي أن نكون عبادًا ربانيين في كل تفاصيل حياتنا، في حركاتنا وسكناتنا، في أقوالنا وأفعالنا، في تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين.

لا يظنن أحدكم أنه بمجرد أن يصلي ويصوم فقد أدى ما عليه وأصبح مسلمًا كاملًا. الإسلام أعمق وأشمل من ذلك بكثير. المسلم الحقيقي يحمل مسؤولية عظيمة، ولكنه في جوهره أمر يسير للغاية: اتق الله وبس.

وما هي التقوى؟ إنها ليست مجرد كلمات تقال، بل هي حالة قلبية وسلوك عملي. التقوى هي الخوف والخشية من الله في السر والعلن، هي العمل بتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بفهم وتطبيق، هي الرضا بما قسمه الله لنا من رزق وقضاء، وهي الاستعداد ليوم الرحيل ولقاء الله عز وجل.

بصدق وأمانة مع أنفسكم، اسألوا: ماذا فينا من هذه الصفات؟ كم منّا يرتشي ويأكل الحرام؟ كم منّا يشرب الخمر ويسكر؟ كم منّا يقع في الزنا والفواحش؟ كم منّا يتهاون في أداء الصلاة عمود الدين؟ كم منّا لسانه سليط يسب ويشتم خلق الله؟ كم منّا يضيع الصفات الجميلة التي حثنا عليها ديننا؟

لا يغتر أحدكم بوضع بعض الكلمات الإسلامية على صفحته، أو تغيير اسمه إلى اسم إسلامي، أو نشر صورة ذات طابع ديني، أو كتابة بعض الآيات والأحاديث في منشوراته ويظن أنه بذلك قد أدى واجبه. هذا خداع للذات! المسلم المؤمن الورع التقي هو إنسان آخر تمامًا، هو إنسان يحمل في قلبه خشية الله وفي سلوكه استقامة وأمانة.

انظروا إلى هذا التناقض العجيب! في شهر رمضان تضيق المساجد بالمصلين، وتعلوا الأصوات بالتكبير والتهليل. ثم ماذا بعد رمضان؟ أين يذهب هؤلاء؟ وفي صلاة العيد، نرى الجموع الغفيرة، ولكن أين هم في باقي الصلوات؟ السؤال الذي يطرح نفسه بمرارة: من الذي يسب الدين علنًا أو سرًا؟ من الذي يسرق أموال الناس بالباطل؟ من الذي يرتشي ويأكل السحت؟ من الذي يكذب ويغش ويخون الأمانة؟ من ومن ومن من الصفات الذميمة التي نهانا عنها ديننا؟

يا قوم، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، تعلموا دينكم الحنيف بتفكر وعمق، لا تأخذوه بالتسطيح والظواهر فقط. افهموا قيمه ومبادئه، واسعوا لتطبيقها في حياتكم اليومية. كفوا عن هذا العبث والتقصير في حق دينكم وفي حق أنفسكم وفي حق أمتكم. لننهض بأنفسنا أولًا، لنصلح ما فسد في داخلنا، عندها سيكون لنا تأثير حقيقي وإيجابي على العالم من حولنا."

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.