زلزال في مملكة المرايا


زلزال في مملكة المرايا
=========



كانت أيام "هاني" ماشية بالبطيء الممل، زي النيل في عز الصيف لما الماية بتكون قليلة. بيصحى الصبح يلاقي نفس الوشوش القديمة، ونفس الروتين اللي مبيخلصش. الليل يليل عليه وهو قافل على نفسه أوضة الذكريات، يتفرج على صور قديمة ويتنهد. الوحدة كانت زي ضله، ماشية وراه في كل حتة، حتى في عز الزحمة كان قلبه فاضي. خياله ده كان زي جنينة مهجورة، فيها كام وردة دبلانة بيفضل يسقيها على أمل ترجع تنور تاني.
صوت "ملك" كسر السكون ده زي صوت طبلة الفرح في وسط عزاء. اسمها "ملك" ده حسسه كأنه مفتاح فتح بيه قفل كان قافل على روحه سنين طويلة. والغسيل الأبيض بتاعها اللي كان بيطير مع الهوا في البلكونة، حسسه إن فيه أمل في بياض وصفاء ممكن يدخل حياته المتلونة بالرمادي. الرجفة اللي حسها أول مرة شافها مكنتش رعشة خوف، كانت زي العطشان اللي شاف الماية بعد سنين عجاف.
كل يوم كان بيمر من غير أمل في الحب كان زي طوبة بتتبني فوق قلبه، لحد ما بقى عامل زي السجن الصغير. السؤال اللي كان بيقرص قلبه كل ليلة: "يا ترى فيه حد لسه هيحبني أنا؟" كان زي الشوكة اللي مبترضاش تطلع.
لما عينيهم اتقابلت على السلم الضيق، للحظة حس إن الزمن وقف. عينيها دول كانوا زي شباكين مفتوحين على دنيا تانية خالص، دنيا فيها ألوان مكنش شايفها بقاله كتير. صوتها كان زي صوت الموج الهادي اللي بيريح القلب بعد خناقة طويلة مع الدنيا. الخجل اللي حس بيه ده كان زي كسوف القمر لما الشمس تطلع تاني يوم.
مكالمة التليفون دي كانت زي حلم حلو خاف ليصحى منه. كل كلمة من "ملك" كانت بتزرع وردة جديدة في الجنينة المهجورة اللي جوه قلبه. اعترافها بحبها ده كان زي النور اللي كشف له طريق مكنش شايفه. وسكوته الأولاني ده مكنش إنكار، كان زي اللي مش مصدق إن الفرح خبط على بابه بعد طول انتظار.
رد "هاني" بـ "الحب ميعرفش حواجز" ده كان زي قرار بطل بعد معركة طويلة مع نفسه. والظروف الصعبة اللي قالت عليها "ملك" دي كانت زي التحدي اللي بيقول له: "أنا قد الدنيا طول ما إيدي في إيدك."
وكلمة "ممتنة" منها في الآخر دي كانت أحلى من كل الكلام. كانت زي شهادة ميلاد جديدة لقلبه، بتقول له: "أنت تستاهل كل خير، وأنا هنا عشانك."
قبل "ملك"، كانت أوضة "هاني" ضلمة، وكل ما يحاول يشوف حاجة، عينه تيجي على المرايات المكسرة اللي بتعكس يأسه. كان بيهرب ليها عشان ميهربش من الوحدة، لكنه كان بيلاقي نفسه تايه أكتر. دلوقتي، صوتها بقى زي مفتاح نور بينور الأوضة دي بالتدريج.
حتى خياله اللي كان ملجأه، ابتدى يتغير. المرايات المتكسرة مبقتش بتوريه الوشوش الباهتة القديمة، بقت بتعكس أمل جديد، صورة مبوشرة لفرحة ممكنة. "ملك" بكلماتها ونظراتها، كانت بترمم المرايات دي واحدة واحدة.
الخوف اللي كان عامل زي القفل على قلبه ابتدى يفك. كلامها عن الحب اللي ميعرفش حواجز ده كان زي البلسم اللي بيهدي وجع سنين. صحيح، لسه فيه حتت ضلمة، ولسه فيه ذكريات بتوجع، بس نور "ملك" ده عامل زي القمر اللي بينور حتى أضلم حتة في السما.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.