"حافية على جسر الذهب": تحفة سينمائية عن قهر السلطة

  • "حافية على جسر الذهب": تحفة سينمائية عن قهر السلطة
  • ===============================


"حافية على جسر الذهب"، تحفة عاطف سالم الخالدة، ليست مجرد فيلم عاطفي، بل هي صرخة مدوية في وجه قهر السلطة وصراعها الوحشي مع أرق المشاعر الإنسانية، تلك المشاعر التي تسحقها السلطة في مهدها، انطلاقًا من رؤيتها المتعجرفة بأن كل شيء مباح لها ولا يوجد من يجرؤ على الوقوف أمام رغباتها الجامحة.

عادل أدهم، قمة في تجسيد نجوم مدرسة القهر اللفظي، المصحوب بطاقة غل كامنة تنطلق من عينيه كلظى اللهب لتلتهم الآخر دون أدنى رحمة، معبرًا ببراعة عن السلطة القاهرة وعن طبقة الرأسماليين والرأسمالية المتوحشة التي لا ترى في الإنسان إلا وسيلة لتحقيق المزيد من الثراء والنفوذ. لقد تفوق عادل أدهم في نقل إحساس القوة المطلقة واللامبالاة بمشاعر الآخرين من خلال أدق التفاصيل في لغة جسده الصلبة، ونبرة صوته الآمرة، وحتى لحظات صمته التي كانت تكتنز تهديدًا مبطنًا. لم تظهر تحولات جذرية في شخصيته عبر الفيلم، بل ترسخت صورة المستبد المتغطرس الذي لا يلين. فجناحا الرأسمالية المتوحشة هما المال والنفوذ (السلطة)، ولكن إذا ما قدر لهذا الثنائي المتوحش أن يتصارع، فإن الغلبة دائمًا ما تكون للسلطة، تلك القوة العمياء التي لا ترحم. وهذا ما يجسده الفيلم بمرارة، معكسًا صورة للحياة الحقيقية بكل ما فيها من قسوة.

إن اسم الفيلم نفسه، "حافية على جسر الذهب"، يحمل في طياته رمزية عميقة تجسد الفجوة الطبقية الصارخة في المجتمع المصري آنذاك. فبينما توحي كلمة "حافية" بالفقر والضعف والعوز، يرمز "جسر الذهب" إلى الثراء والسلطة والنفوذ، ليصورا معًا وقوف الطبقات الكادحة عارية ومستضعفة أمام جبروت أصحاب الثروة والسلطة. هذا "الجسر" قد يمثل أيضًا محاولة البطلة اليائسة للعبور إلى عالم أفضل، أو ربما سقوطها المأساوي من هذا العالم الزائف الذي يقوم على الظلم والاستغلال.

وفي سياق مجتمع مصري محافظ، كانت البطلة ( تجسدها ميرفت أمين ببراعة) تواجه تحديات مضاعفة كامرأة في مواجهة سلطة ذكورية ونظام أبوي متجذر. فتطور شخصيتها من الضعف إلى محاولة المقاومة، حتى وإن كانت النهاية مؤلمة، يمكن قراءته كصرخة احتجاج ضد هذا القهر المزدوج. أما الشخصيات الثانوية، فكثيرًا ما تعكس شرائح المجتمع المختلفة، فمنهم المتواطئ مع السلطة طمعًا، ومنهم الصامت المقهور، وقليل منهم من يحمل بذور مقاومة خفية.

لقد كان لإخراج عاطف سالم والتقنيات السينمائية المستخدمة دور بالغ الأهمية في تعزيز الشعور بالقهر والظلم. فالإضاءة القاتمة التي تخيم على المشاهد، وزوايا التصوير المنخفضة التي تحاصر الشخصيات وتجعلها تبدو أصغر وأكثر ضعفًا أمام السلطة، والموسيقى التصويرية المعبرة عن الحزن العميق أو التصاعدية في لحظات المواجهة الحاسمة، كلها عناصر ساهمت في نقل واقع اجتماعي وسياسي مرير.

عند عرضه في فترة السبعينيات، لاقى الفيلم استحسانًا كبيرًا من الجمهور والنقاد على حد سواء، ربما لأنه لامس قضايا كانت تتردد في أذهان الكثيرين حول طبيعة السلطة وتأثيرها على حياة البسطاء. وقد ساهم الفيلم في إثراء النقاش حول هذه القضايا في الخطاب السينمائي والاجتماعي المصري آنذاك. بالمقارنة مع أفلام أخرى تناولت الصراع الطبقي وقهر السلطة، تميز "حافية على جسر الذهب" بتركيزه الحاد على الجانب الإنساني وتصويره المؤثر لتأثير السلطة على المشاعر والعلاقات.

أما نهاية الفيلم، فغالبًا ما تكون قاتمة ومأساوية، مما يعكس ربما يأسًا من إمكانية التغلب على جبروت السلطة في ذلك الوقت. هذه النهاية الحتمية تركت أثرًا عميقًا على المشاهدين، مؤكدة على قوة الرسالة التي أراد الفيلم إيصالها.

إضافة إلى ذلك، تميز الفيلم بسيناريو محكم وحوارات مؤثرة حملت في طياتها الكثير من الدلالات حول طبيعة العلاقة بين السلطة والفرد. كما أن اختيار مواقع التصوير، وخاصة "جسر الذهب" نفسه، لم يكن عشوائيًا بل حمل رمزية واضحة كما ذكرنا سابقًا.

هذه هي الحياة الحقيقية التي صورها عاطف سالم بجرأة وصدق، لتظل تحفته شاهدة على قسوة السلطة وأهمية النضال من أجل الإنسانية والعدل.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.