أهمية الإشباع العاطفي بين الزوجين
===================
ما أن يكبر الإنسان يبدأ بالشعور ان هناك ما ينقصه ويبدأ
رحلة التفتيش عن نصفه الآخر ليسكن إليه ويشاركه السعادة في هذه الحياة. فالله جل
وعلا زرع في كلا الرجل والمرأة فطرة الميل الى الآخر ليستمر النسل وتعمر الأرض.
وحين يلج الرجل والمراة في حياة الزوجية يكونان قد بنيا قصوراً في الأحلام ويتمنيا
أن تتحقق في عشّهما وألاّ ينغّص معيشتهما ألم.
ومن المُلفِت هذه النظرة عند حديثي العهد بالزواج من أن
الحب هو ذاك الحب الذي شاهداه في الأفلام والمسلسلات وأنه سيدوم لهيبه الى أن
يضمهما قبرهما بعد عمر طويل. ويغفل هؤلاء أن الحياة الزوجية جملة مسؤوليات وأعباء
وقودها المودة والرحمة بينهما وأنهما إن لم يعملا المحافظة على أسباب دوام هذه
المحبة وعلى تزكية هذه المشاعر وتنميتها وإزكائها بالأقوال والأفعال وبذكاء
فسينهار البيت أمام لسعات المحن المتتالية.
وهذا الحب ليس مجرد مشاعر تترجمها اللقاءات الحميمة بين
الزوجين وإنما هو وحدة رؤية وآمال وتفاهم ومصارحة ومشاركة بالإضافة طبعا إلى السكن.
وللإشباع العاطفي أهمية على الصعيدين النفسي والجسدي.
ومن دونه فإن البيت الذي أُسّس على الحب من أول يوم سينهار رويداً رويداً وسيجد
كلّ من الزوجين نفسه محبط عاطفياً وجسدياً.
فالركن الأول بعد تقوى الله جل وعلا والتوكل عليه واخلاص
النية له في بناء هذا البيت الزوجي من الأساس هو ملء الفراغ العاطفي عند كلّ من
الزوجين ومحاولة اشباع أحدهما للآخر عاطفياً حتى لا يكون البيت مجرد جدران تجمعهما
وأرواحهما وقلبيهما خارجه. ودمار البيوت يبدأ من فقدان الحرارة في العلاقات بين
الزوجين فيه.
اذاً أهمية الإشباع العاطفي تنبع من حاجة الرجل والمرأة
الى سكن ومودة يجب على كل طرف أن يوفّرها للآخر حتى لا يسقط أيّ منهما في بؤر
الرذائل من تعاسة وخيانة وجريمة واكتئاب وانحراف بحثاً عن الحب والحنان.
فالحاجة إلى الإشباع العاطفي غريزة تولد مع الإنسان،
وهذا ما أثبتته دراسات كثيرة.... وبحسب نظرية الحاجات للعالم «ماسلو»، فإن للإنسان
حاجات متدرجة - أسماها الحاجات الإنسانية Human needs
- تعمل كدافع أو محفز لأن يسلك سلوكاً ما حيث قسمها
ماسلو إلى خمسة أقسام هي: الحاجات الفسيولوجية والحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى
الحب، والحاجة إلى تقدير الآخرين، والحاجة إلى تقدير الذات.... وما لم تشبع بطريقة
سليمة تتفق مع معاييرنا الدينية والاجتماعية فإنها لا بد أن تخرج بشكل او بآخر قد
لا يتفق مع المعايير الدينية والأخلاقية والاجتماعية..... فإذا كان عدم أو ضعف
اشباع الفتاة أو الزوجة لحاجة الحب والتقدير اليها من قِبَل أسرتها او زوجها يعدّ
عاملا مساعدا في أن تبحث عنه بشكل منحرف، فما بالنا بمن لا يكتفون من الآباء
والأمهات والأزواج بعدم إشباع الحب والتقدير لدى أبنائهم وانما ينزعون إلى إيذاء
بناتهم وأولادهم وزوجاتهم بالشتم أو الضرب؟ إن من أسس الوقاية من انحراف الأبناء
والبنات والزوجات، أن نسعى إلى اشباع احتياجاتهم من الحب والحنان والتقدير، أن
نشيع ثقافة الحب داخل الأسرة، وألا نخجل من التودد لبعضنا البعض.
ونحن نؤكد على أنّ: "الحب هو الضمان الوحيد لنجاح
العلاقة الزوجية، وتأتي بعده عوامل أخرى، مثل: طبيعة الزوج والزوجة، وتحكيم العقل
في العلاقة. فالحياة الزوجية شَرِكَة نفسية وجسدية يدخلها اثنان بِنِيَّةِ
الاستمرار، ويتوقف استمرار العلاقة ودرجتها على قدرة الزوجين على الذوَبان كل في
الآخر، فإذا كان هذا الذوبان على طريقة تقديم التنازلات لتمضي سفينة الحياة، فإن
استمرار العلاقة سيكون نسبياً، ومعرَّضاً للأزمات؛ إذا ما تعرضت معادلة التنازلات
للاهتزاز
وقد يبقى الأزواج مع بعضهم البعض بالرغم من الصمت الزوجي
أو الخرس العاطفي أو في أسوأ الحالات الطلاق العاطفي ولكن الحياة لن يكون لها معنى
من دون هذه المشاركة العميقة وفي كل شيء التي أرادها الله جل وعلا بين الزوجين
ليحققا النعيم في البيوت. ومعلوم أن الذي يفتقر إلى حاجة عنده جسدية كانت أم نفسية
– ولعلها الأخطر –
فلن يكون باستطاعته الإبداع ولا حتى الإنجاز على المستوى
المطلوب في أيّ من أموره وستكون الحياة مجرد ورقات تُطوى في صحيفته وأيام تمر من
دون طعم ولا لذة.
وقد يكون مآل زواج محطّم الى الطلاق الفعلي وتفكك الأسرة
وتجرّع الأبناء لويلاتِ هذا التفكك خاصة على النطاق النفسي.
والجدير بالذكر أن الإشباع العاطفي يختلف مفهومه وطرق
ترجمته عند الأفراد حسب الوعي والثقافة والإمكانات والتوقّعات ولكن الأساس يبقى
موحّداً لأن النفس البشرية مجبولة على الغرائز والفطرة نفسها. وعلى الزوجين توضيح
متطلباتهم وحاجاتهم للشريك منذ الأساس وأن يتفهّم كلٌّ الآخر ويسعى لإشباعه حتى لا
يصطدما عند أول بلاء فينهار الصرح الذي حسِبوه ممرّداً.
فحريٌّ على الزوجين أن يعيا طبيعة العلاقة الزوجية
ويقدّرا هذه المسؤولية الكبرى لإنشاء أسرة مستقرة.
والله جل وعلا جعل أساس العلاقة الزوجية المودة والرحمة
وكانت هذه آية من آياته جل وعلا. ولو لم تكن هذه العواطف من الأهمية بمكان ما كان
خلق ربنا جل وعلا حواء ليسكن اليها آدم عليه السلام وما كان سعى سيدنا آدم عليه
السلام للبحث عن أمنا حواء عليها السلام حين هبطا الى الأرض فكان هو في الهند وهي
في الحجاز فبقي يفتش عنها حتى وجدها. ما الذي جعله يجوب كل هذه القفار إن لم يكن
حاجته للعاطفة والسكن؟!
ويقول الشيخ محمد الغزالي حيث قال: " هناك معالم
ثلاثة ينبغي أن تتوفر في البيت المسلم، أو أن تظهر في كيانه المعنوي ليؤدي رسالته
ويحقق وظيفته، هذه الثلاثة هي: السكينة والمودة والتراحم..
وعندما تقوم البيوت على السكن المستقر، والود المتصل،
والتراحم الحاني فإن الزواج يكون أشرف النعم، وأبركها أثرا… وسوف يتغلب على عقبات كثيرة، وما تكون منه إلا الذُّريات
الجيدة"
وفي كتابه "الحب أحسن دواء" يتحدث الدكتور
عادل صادق عن الحب وأهميته للصحة النفسية للإنسان. فالصحة ليست الخلو من المرض لكن
الصحة هي السعادة والأمن النفسي.. والمصدر الأساس للسعادة هو الحب، والمصدر
الأساسي للأمن النفسي هو الحب، وتلك غاية الإنسان من الحياة.. السعادة، والأمن.
والصحة هي إنتظام الإيقاع، هي الإنسجام، هي البديع والشكل الجميل، هي الأنا
المتحدة روحاً ونفساً وجسداً، وهي القدرة على التواصل العاطفي مع الآخر.. فيقدم
الدكتور عادل صادق "روشتة" مكتوب فيها دواء واحد لكل متاعب الإنسان
وآلامه وهو الحب
وقد أوضحت دراسة طبية أميركية أن عناق المرأة واحتضانها
مفيد لقلبها. وقال باحثون في جامعة نورث كارولينا درسوا حالات كل من الجنسين في 38
زوجا من الرجال والنساء، إن الاحتضان يؤدي الى ازدياد مستويات هرمون الأوكسيتوسين
الذي يسمى هرمون الارتباط، ويقلل من ارتفاع ضغط الدم، الأمر الذي يقلل من مخاطر
التعرض لأمراض القلب. وأضاف الباحثون الذين نشروا نتائج دراستهم في مجلة
سايكوسوماتك ميديسن إنهم لاحظوا انخفاض ضغط الدم لدى النساء أكثر من الرجال بعد
عناقهن واحتضانهن
ويشير الأستاذ عيسى المسكري في معرض حديثه عن صمت
الأزواج أن هناك دراسة حديثة بجامعة لوجانو السويسرية أكدت على الفوائد الصحية
للزواج والاستقرار العاطفي، فقد ثبت أنّ الزواج وسكن المشاعر يقي الرجال والنساء
متاعب الصداع العارض والمزمن، حيث يساعد الشعور النفسي بالعلاقة المستديمة
المستقرة على تخفيف حدّة توتر الجسم، ويفرز هرمونات السعادة بكمّ أكبر من هرمونات
القلق والخوف والحزن.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية اكتشف الباحثون أنّ
الأسبرين لا يشفي الصداع؛ لكن نصف ساعة من الإلفة الزوجيّة هي الدواء. وأكدت
مجموعة كبيرة من النساء الأمريكيّات اللاتي يعانين من نوبات الصداع النصفي أنّ
الأسبرين لا يفيد، ولكن النوبة تزول بعد ساعة صفاء مع الزوج الحبيب.
أضف إلى ذلك أنّ الحب والدفء الأسري يساهم في علاج الأرق
ويساعد على الوقاية من سرطان البروستاتا بنسبة لا تقل عن 58%. وأثبتت الفحوصات
والتحاليل أنّ هناك فرصة أفضل للمصاب بالسرطان للشفاء إذا كان زوجاً أو زوجة ترفرف
على حياتهما السعادة والمحبّة، لأنّ العواطف الإيجابيّة والسلوك الودود ينشطان
نظام المناعة في الجسم.
كما أكدت الدراسة أنّ الزواج يفيد في تقوية عضلات القلب
لما فيه من دفع مؤقت للدم وتنشيط للدورة الدموية، وبالتالي تمدّ الجسم بالمزيد من
الطاقة، وفي هذا الصدد يقول الباحثون إنّ الزواج أفضل ألف مرة من استخدام أغلى
الأدوية التي تعالج سقوط الشعر الذي يحدث في غياب الإحساس بالاستقرار النفسي،
ويستثنى من ذلك حالات الصلع الوراثي أو تلك الحالات المرضيّة المفاجئة التي تصيب
الرجال والنساء لأسباب مختلفة.