ما بعد المزرعة.. هل تبني النخبة دولة أم مقبرة للمستقبل؟
بقلم: محسن عباس
■ تمهيد
كلما تعثرت خطى النخب في إدارة الأزمات، هربوا إلى الأمام برفع شعار «سيادة الدولة فوق كل اعتبار». وفي هذا الهروب، يتم تقديم الفرد قرباناً على مذبح «الهيبة». يُروجون لمعادلة بائسة: إما أمن الدولة أو حرية الإنسان، وكأن الدولة كيان ميتافيزيقي يتغذى على سحق مواطنيه ليعيش.
مانشيت داخلي بارز:
هذا التصور ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو انتحار استراتيجي.
الدولة: العقد المكسور
الدولة في جوهرها ليست حدوداً جغرافية أو ترسانة أسلحة؛ إنها عقد اجتماعي وقيم معنوية. حين تقرر النخبة سحق الفرد، فهي لا تعزز الدولة، بل تقوم بـ تفريغها. يتحول الوطن إلى إدارة قهر، ويتحول المواطن من شريك إلى عبء أو رعية في قائمة الانتظار.
اقتباس جانبي:
الدولة التي تكسر عقدها مع الفرد لا تبني قوة… بل تُراكم هشاشتها.
وهم الانتصار: إدارة «مزرعة العبيد»
لنفترض أن هذه النخب نجحت في فرض الصمت المطلق. ماذا ستملك في النهاية؟
• مؤسسات بلا روح:
هياكل بيروقراطية كبرى يسكنها موظفون يخشون المبادرة، فيموت الإبداع الإداري.
• اقتصاد الركود:
في عصر الذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة، لا يمكن لـ عقل مستعبد أن يبتكر. الابتكار يتطلب جرأة، والجرأة تتطلب شعوراً بالأمان والحرية.
• نزيف العقول:
الدولة التي تسحق الفرد تدفعه للهجرة، إما واقعياً بترك البلاد، أو افتراضياً بالانسحاب من الشأن العام، فتخسر الدولة أثمن مواردها.
مانشيت داخلي:
ما يُدار بالقهر قد يستمر… لكنه لا يتطور.
سجون ناعمة ورقابة رقمية
التطوير الأخطر اليوم هو محاولة تحويل «المزرعة» إلى «سجن رقمي». تظن النخبة أن تتبع الأنفاس وتكميم الأفواه عبر التقنية سيصنع استقراراً. لكن الحقيقة أن الاستقرار القمعي هو مجرد انفجار مؤجل، يراكم الهشاشة تحت السطح اللامع، حتى ينهار البناء عند أول هزة خارجية.
اقتباس بارز:
الخوارزميات قد ترصد الأصوات… لكنها لا تصنع ولاءً.
حتمية السقوط
التاريخ لا يداهن الأوهام. كل سلطة راهنت على سحق الإنسان انتهت إلى أحد مصيرين:
• الانهيار المفاجئ:
حين يكتشف النظام أنه لا يملك شعباً يدافع عنه.
• التعفن البطيء:
حين تصبح الدولة جثة هامدة تعيش على ذاكرة القوة السابقة.
الدولة الحقيقية لا تذعر من صوت الفرد الحر، بل تعتبره راداراً يكشف لها مواطن الخلل. الدولة القوية هي التي تحمي الفرد من تغولها أولاً، لكي يمنحها هو ولاءه طواعية لا قسراً.
الخاتمة | الرهان الخاسر
أخطر ما تفعله النخبة هو الخلط بين الانضباط والخوف. كسر الظهر أسهل بكثير من بناء الوعي، لكنه لا يبني وطناً. الحقيقة الراسخة: الدولة التي لا تحتمل فرداً حراً، هي دولة تخشى المستقبل، ومن يخشى المستقبل لا يملكه.
الخلاصة النهائية (مانشيت ختامي):
لن ينتصروا… لأن معركتهم ليست مع معارضين سياسيين، بل مع الفطرة البشرية التي تنشد الكرامة.
ولا أحد انتصر يوماً على الفطرة ثم احتفظ بدولة.


0 التعليقات