انسنة الدين وتديين الحداثة .."الهجرة الجماعية – الآلهة والملوك": بين البهرج السينمائي والأفكار الخبيثة

انسنة الدين وتديين الحداثة ..

"الهجرة الجماعية – الآلهة والملوك": بين البهرج السينمائي والأفكار الخبيثة

                                ================================================



شاهدتُ فيلم "الهجرة الجماعية – الآلهة والملوك"، الذي يتناول قصة سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وخروجه مع بني إسرائيل من مصر. ولا بد أن نتفق أننا أمام عمل سينمائي شائك للغاية، سواء على المستوى الديني أو التاريخي. وكمسلم، أرفض رفضًا قاطعًا تجسيد الأنبياء، فما بالنا بتجسيد الذات العليا (الله سبحانه وتعالى)؟ إنها مسألة مرفوضة بكل الأشكال.

ولكن، سأتعامل مع هذا الشريط السينمائي كفيلم فحسب، حيث أننا بصدد عمل يهدف إلى تغيير الوعي وترسيخ أفكار خاصة جدًا. وحتى يشغلنا صناع الفيلم عن هذه الأفكار الجديدة، عمدوا إلى تضمين الفيلم كافة المغالطات الدينية والتاريخية، حتى ننجر إليها ونترك الفكرة الأصلية التي أرادوا زرعها والهدف الحقيقي من الفيلم.

جاءت افتتاحية الفيلم على الشريط كالتالي: "لقرابة 400 سنة كانوا اليهود عبيدًا لمصر لأجل بناء تماثيلهم ومدنهم ومجدهم، وخلال كل ذلك الوقت أنهم لم ينسوا موطنهم ولا إلههم ولا الرب تساهم". وتلك المغالطة وغيرها من المغالطات التاريخية والدينية سيكون لها رد تفصيلي في مقال مستقل بإذن الله.

يبدأ الفيلم بمشهد علوي بانورامي لبناء التماثيل والأهرامات، ثم حديث الفرعون الملك لأبنائه رمسيس وموسى، حيث تقول العرافة: "من ينقذ الآخر في المعركة يكون هو الملك القادم من بعدك".

أثناء معركة قادش ضد الحيثيين، ينقذ موسى رمسيس. وبعد المعركة، يذهب موسى إلى إحدى المدن لتفقد العمل بها، ويلتقي بكبار القوم من اليهود، ويبلغهم أن اعتراضاتهم ما هي إلا أفكار غير واقعية تعود للتطرف، وتقود إلى الفتنة التي بدورها تقود إلى الفوضى. ولكن نون، كبير القوم من اليهود، يبلغه أنه عبراني وليس مصريًا. تصل تلك المحادثة إلى الفرعون رمسيس، ويقرر نفي موسى إلى الشرق. يذهب موسى ويتزوج وينجب، ويكبر الابن ويبلغه أن ديانة القبيلة تقول: "كل الجبال يمكن تسلقها إلا جبل الرب". وأثناء رعي موسى للأغنام، يصعد إلى جبل الرب ويعود منها، وتحدث عاصفة ويصاب موسى، ويظهر له طفل صغير يطلب من موسى كجنرال قتال المصريين لتحرير اليهود منهم.

ينزل موسى إلى مصر ويجمع اليهود ويبدأ في قتال المصريين، ولكنهم لم ينجحوا في هزيمتهم. يأتي له الطفل ويقول له: "شاهد ما سأفعل أنا بهم"، وتبدأ النوازل على قوم فرعون من الدم والضفادع والذباب والجراد. وبعدها يتحاور موسى مع الطفل حوارًا عصبيًا جدًا، ويطلب منه الطفل ذبح حملان ووضع علامات على بيوت اليهود بالدم. وفي الليل، يموت أطفال المصريين ولا يموت أطفال اليهود. وهنا يقرر فرعون ترك اليهود للرحيل، ويرحل اليهود ويقرر فرعون اللحاق بهم، ولكن لا يستطيع مقابلتهم لأنهم عبروا الجهة الأخرى من البحر، ويرجع رمسيس دون نصر.

ثم نجد موسى يحفر على ألواح حجرية ما يمليه الطفل عليه، وذلك بعد نقاش بينهما، وينتهي الفيلم.

إن هدف الفيلم، أو الرسالة المطلوبة إرسالها للجميع، واضحة: الفيلم لم يترك شاردة أو واردة إلا وتلاعب بها حتى يجعل الحداثة هي الدين الحقيقي. حيث تم نفي أي من الصفات الروحية للدين، ونزع أي قداسة سواء من الله سبحانه وتعالى أو للرسول المبعوث، وجعل الدين مجرد فعل إنساني، أي من صنع الإنسان. والأدلة على ذلك هي:

  • تصوير الإله (رب العزة سبحانه وتعالى) كطفل: وهو بالمنطق غير راشد، بينما الراشدون هم أصحاب العقول النيرة وأصحاب الحداثة فقط!
  • حوارات موسى مع الإله المتندية: وكأن الأمر ليس أمرًا إلهيًا إلى رسول يقول سمعًا وطاعة.
  • نسف ونزع كافة المعارف والآيات المعلومة عن سيدنا موسى كرسول من أولي العزم: وأولها العصا التي سأله الله عنها، والعصا التي أظهرها لفرعون وأصبحت ثعبانًا، والعصا التي ابتلعت كل ألاعيب السحرة. كل هذا ليؤكد صناع الفيلم أن موسى ليس برسول!

إن الفيلم ينسف كافة المعتقدات الدينية، سواء اليهودية أو الإسلامية، عن سيدنا موسى (كليم الله) وعن الله سبحانه وتعالى بأنه خالق الكون وهو من يرسل الرسل لهداية البشر للطريق القويم، حتى يترسخ فكر الملاحدة وأصحاب التفسير العقلي للكون.

على المستوى التقني، كان الفيلم متفردًا كإخراج وإنتاج سخي للغاية وسيطرة على المجاميع الكبيرة، وكانت الملابس ممتازة. أما الموسيقى فكانت مبهرة جدًا، خاصة استخدام الناي. وكل من ظهر على الشاشة من الممثلين كان منغمسًا في الشخصية بشكل رائع، وكان أحد الأبطال الحقيقيين للفيلم هم من خلف الكاميرا من ماكيير وفنون الجرافيك التي كانت على أعلى مستوى.

كل هذا الجمال كان لسبب واحد فقط، وهو تسويق القبح الحقيقي: أن الدين ليس من الله، بل منا نحن أصحاب العقول والتكنولوجيا الحديثة.

فإلى كل من سيرى الفيلم، لا تبهرك جماليات الصورة المعروضة أمامك والمصنوعة بحرفية فائقة، وتترك الأفكار الخبيثة تنبت بداخلك دون وعي منك.

الله سبحانه وتعالى يغفر لي إن كنت أخطأت بالكتابة عن هذا الفيلم، ولكن أردت تحذير كل الناس من أفكاره الخبيثة جدًا والرهيبة في ذات الوقت...

..................... محـسـن بـاشـا

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.