في مدارات "ما بعد الهيام": استكشاف عوالم العشق الروحاني

في مدارات "ما بعد الهيام":

 استكشاف عوالم العشق الروحاني

==========

تنفتح أمامنا في هذه الأبيات آفاق جديدة في فهم العشق، تتجاوز المراحل المعهودة لترتفع بنا إلى مدارات "ما بعد الهيام". هنا، لا يتعلق الأمر بمشاعر القلب وحدها، بل بغوص أعمق في الروح واتحاد أسمى بالمعشوق: "مابعد الهيام / هى حالة العشق بالروح وليس بالقلب". في هذه المرحلة، يصبح المحبوب هو جوهر الوجود ذاته، "الهواء يتنفس عبير صمتك ليحمله لها"، حيث يحمل الصمت - الذي ليس له عبير مادي - جوهر المحبوب وتأثيره الروحي الذي يستنشقه العاشق. إنها "حياة غير الحياة / لانها هى الحياة"، حيث يصبح العشق هو الوجود الحقيقي والغاية القصوى.

يتجاوز هذا المستوى من العشق دوافع المنفعة أو المقابل: "مابعد الهيام / لا يقدر عليها إلا أصحاب العشق للعشق دون مقابل". فالعشق هنا يصبح غاية في ذاته، والعطاء ليس فعلًا إراديًا بل حالة وجود نابعة من الوحدة، كما يتضح في وصف مراحل العطاء في الحب والعشق والهيام، وصولًا إلى "واما مابعد الهيام فلا عطاء لانه اصبح خارج الزمان والمكان". ففي هذه الوحدة الروحية المطلقة، يتلاشى مفهوم العطاء المنفصل، حيث يصبح الكيانان واحدًا.

تتخطى حالة ما بعد الهيام قيود الزمان والمكان: "مابعد الهيام / لا يعترف بالزمان ولا المكان"، مما يشير إلى حالة من الأبدية واللامحدودية في هذا العشق الروحي المتجرد.

تجسيدات وجدانية عميقة للحب:

تقدم الأبيات التالية صورًا حسية قوية ولوحات شعرية تعبر عن التحولات الداخلية العميقة التي يحدثها الحب:

  • التحول الروحي: "احساس انك فى ظلام دامس ثم يهل عليك انوار الحياة كلها لتنير روحك وعقلك وقلبك / ويهدهدهم برفق لين حتى تصبح مشع للاخرين" يصور الحب كقوة تنويرية تبعث الحياة والأمل بعد يأس وظلام، وتحول العاشق إلى مصدر إشعاع روحي للآخرين.
  • الاتحاد الكوني: "احساس انك تلامس السماء / احساس انك تحض الكون / احساس انك منتشى لدرجة الاغتراب عن الواقع المعاش / انها الحياة" يعكس شعورًا بالاتحاد بالكون والانطلاق الروحي الذي يترتب على الحب العميق، حتى يصل إلى النشوة التي تتجاوز حدود الواقع المادي وتلامس المطلق.
  • رحلة الروح: "احساس انك راكب حصان عربى اصيل وتجرى به فى مروج خضراء وتمر على جداول الماء واثناء هذا ينثر عليك الورود والياسمين / انها الحياة" تستخدم صورة حية وجميلة لتمثيل رحلة الروح في عالم الحب، حيث السعادة والبهجة والجمال يغمران حياة العاشق.
  • الارتواء الوجودي: "احساس وكأنه يوم صيفى شديد الحرارة والهجير / ثم ياتى لك بماء مثلج مع نسمات رقيقات تنعش روحك وقلبك" تشبيه بليغ يوضح كيف يروي الحب الروح ويشفيها بعد قحط وجفاف وجودي، مانحًا إياها الانتعاش والراحة.

تجاوز الذات والبحث عن الأصالة:

تعبر الأبيات عن قوة الحب وتأثيره العميق على سلوك العاشق:

  • مواجهة التحديات: "لست مغامرا ولكنى يوميا اخوض غمار امواج نظراتك العاتية" يظهر كيف يدفع الحب العاشق لمواجهة تحديات وصعاب قد لا يقدم عليها في الظروف العادية، فقوة الحب تمنحه الشجاعة والإقدام. هنا، تصبح النظرات لغة قوية تحمل في طياتها تحديات ومشاعر عميقة يخوضها العاشق بشغف.
  • التعبير الفريد: "استنطق الحروف بمعانى جديدة لعل اكون الاول دوما فى حياتك" يكشف عن رغبة عميقة في أن يكون العاشق فريدًا ومميزًا في قلب المحبوب، حتى في طريقة التعبير عن مشاعره، ساعيًا لخلق لغة حب خاصة به.
  • الاكتفاء الروحي: "لن اجوب بحارا ولن انقب صحارى لاحصل على ما اصبو اليه / عينيك خريطة العالم" يختزل العالم كله في عيني المحبوب، مما يدل على اكتفاء روحي وعاطفي كامل به، حيث يصبح هو الكون والمعنى لكل شيء، فلا حاجة للبحث عن أي شيء خارجه.

التطهر والاتحاد الروحي:

تختتم الأبيات بمفاهيم التجدد والاتحاد العميق:

  • التجدد الروحي: "سامزق كل اثمالى البالية حتى ااتى اليك متطهرا من كل قديم عالق بى / الجديد لابد ان يكون نقيا" يرمز إلى استعداد العاشق للتخلي عن كل ما يعيق اتحاده النقي بالمعشوق، والسعي إلى بداية جديدة خالية من شوائب الماضي.
  • وحدة الوجود: الحوار العميق حول قول "أحبك" "بسئلها ليه لا تقولى بحبك قالت ان قلتها اصبح انانية ونرجسية لاننا واحد / فى حد بيقول لنفسه بحبك / سكت ومن ساعتها وانا مش عارف ارد عليها / عشقك حياة بذاتها" يلامس أسمى معاني الاتحاد الروحي، حيث يرى العاشقان نفسيهما كيانًا واحدًا، لدرجة يصبح فيها التعبير عن الحب الذاتي أمرًا غير منطقي، فحب الذات هو حب الآخر.

الهيام: ذروة العشق وبوابة الاتحاد:

يختتم بتعريف الهيام: "الُهُيام : هو أعلى درجات الحب وأعظمها، ويعني الوصول لمرحلة الجنون الخالص في الحب، لكثرته." وهذا التعريف يضع الأساس لفهم أعمق لما "بعد الهيام" كتجاوز حتى لهذا الجنون المقدس نحو حالة من الاتحاد والوحدة الروحية المطلقة.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.