بعد إسدال الستار: هاملت والثورة التي لا تهدأ في دواخلنا.

  • بعد إسدال الستار: هاملت والثورة التي لا تهدأ في دواخلنا.
  • =====

    ذَلِكَ الشَّابُّ الْمُفْعَمُ بِالْحَيَوِيَّةِ وَالشَّبَابِ وَالنُّبْلِ وَالْمُثُلِ الْعُلْيَا، أَصْبَحَ يُرَافِقُ مَلَاكَ الْمَوْتِ أَيْنَمَا ذَهَبَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْعَالَمَ أَكْثَرَ إِنْسَانِيَّةً، أَكْثَرَ رَحَابَةً.

    وَلَكِنَّ أَعْدَاءَ الْحَيَاةِ سَلَبُوا مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ لَافِتَاتٍ تَقْطُرُ كَذِبًا، وَلَكِنَّهَا تُكْتَبُ بِأَقْلَامٍ مُلَوَّنَةٍ زَاهِيَةٍ لِتَخْطَفَ الْأَبْصَارَ، وَبِكَلِمَاتٍ فَخِيمَةٍ لِتَسْلُبَ الْعُقُولَ.

    هَامِلِتُ رُبَّمَا يَكُونُ اسْمَ أَحَدِ أَبْطَالِ عَبْقَرِيِّ الدَّرَامَا الْعَالَمِيِّ شَكْسْبِيرَ، وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةَ أَنَّ هَامِلِتَ هُوَ أَنَا وَأَنْتَ وَهِيَ عِنْدَمَا تَخْتَلُّ كُلُّ الْمَوَازِينِ:

    • وَيُصْبِحُ الظُّلْمُ هُوَ عَيْنَ الْعَدْلِ، كَتَبْرِيرِ الِاسْتِبْدَادِ بِاسْمِ الْحِفَاظِ عَلَى النِّظَامِ.
    • وَيُصْبِحُ الْفَسَادُ هُوَ دَوْلَةَ الرَّفَاهِ، كَإِهْدَارِ الْمُقَدَّرَاتِ بِذَرِيعَةِ تَحْسِينِ الْمُسْتَوَى الْمَعِيشِيِّ لِلْقِلَّةِ.
    • وَيُصْبِحُ التَّدَيُّنُ الْمَغْشُوشُ هُوَ التَّقْوَى.
    • وَتُصْبِحُ اللُّغَةُ مُجَرَّدَ هَمَهَمَاتٍ فَارِغَةٍ بِلَا مُحْتَوَى بَعْدَ أَنْ تَمَّ سَحْقُ الْمُصْطَلَحِ وَتَمْيِيعُ الْمَعَانِي. فَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ فَقَدَتْ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيَّ وَأَصْبَحَتْ أَدَاةً لِلتَّضْلِيلِ؟

    هُنَا هَامِلِتُ الَّذِي بِدَاخِلِنَا يَثُورُ أَوَّلًا عَلَيْنَا، لِأَنَّنَا لَوْ صَمَتْنَا نَكُونُ خَائِنِينَ لِأَنْفُسِنَا وَلِلْقِيَمِ وَالْمُثُلِ الْعُلْيَا الَّتِي نَعْتَنِقُهَا. هَذِهِ الثَّوْرَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ غَضَبٍ عَابِرٍ، بَلْ هِيَ صَحْوَةُ الضَّمِيرِ وَرَفْضٌ قَاطِعٌ لِلتَّزْيِيفِ وَالْبَاطِلِ الَّذِي يُحِيطُ بِنَا. إِنَّهَا صَرْخَةٌ دَاخِلِيَّةٌ تَدْفَعُنَا نَحْوَ مُوَاجَهَةِ الذَّاتِ أَوَّلًا وَمُحَاسَبَتِهَا عَلَى أَيِّ تَوَاطُؤٍ بِالصَّمْتِ قَبْلَ أَنْ نُعْلِنَ رَفْضَنَا لِلْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ.

    يَثُورُ وَيَزْمَجِرُ دَاخِلَنَا حَتَّى نَنْطِقَ بِالْحَقِّ، حَتَّى لَوْ ظَهَرْنَا أَمَامَ الْكُلِّ أَنَّنَا أَصْبَحْنَا مِنَ الْمَجَاذِيبِ أَوْ مِنْ أَصْحَابِ الْجُنُونِ. فَالْقِيمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِلْإِنْسَانِ تَكْمُنُ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى الْجَهْرِ بِمَا يُؤْمِنُ بِهِ، حَتَّى فِي وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ.

    لَكِنْ فِي سَبِيلِ أَنْ تَكُونَ نَفْسَكَ وَأَنْ تُنَفِّذَ مَا تَعْتَقِدُ وَتُؤْمِنُ بِهِ:

    • لَنْ تَنْظُرَ إِلَى آرَاءِ الْآخَرِينَ، وَخَاصَّةً أَصْحَابَ الْمَوَازِينِ الْمُطَفَّفَةِ وَالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ عَنِ الْحَقِيقَةِ.
    • لَنْ تَنْظُرَ إِلَى أَصْحَابِ الْعُقُولِ الْفَارِغَةِ وَالتَّافِهَةِ.
    • لَنْ تَنْظُرَ إِلَى أَصْحَابِ ثَقَافَةِ الْقَطِيعِ وَالْمُرِيدِينَ لِأَيِّ آفَاقٍ أَشَرَّ.
    • لَنْ تَنْظُرَ إِلَى الدَّهْمَاءِ وَالرُّعَاعِ.

    فَقَطْ سَتَنْظُرُ دَاخِلَكَ لِتَرَى نَفْسَكَ وَأَنْتَ مُتَّسِقٌ مَعَ ذَاتِكَ فِي صُورَةٍ بَهِيَّةٍ نَضِرَةٍ.

    هُنَا تَأَكَّدْ أَنَّ النَّصْرَ لَكَ حَتَّى لَوْ سُفِحَتْ دِمَاؤُكَ! هُنَا تَأَكَّدْ أَنَّ النَّصْرَ لَكَ حَتَّى لَوْ كُبِّلْتَ بِكُلِّ أَصْفَادِ الْحَيَاةِ!

    اِكْسَبْ نَفْسَكَ أَوَّلًا، فَهَذَا هُوَ الْأَسَاسُ لِكُلِّ انْتِصَارٍ حَقِيقِيٍّ، حَتَّى وَلَوْ تَأَخَّرَ الْحِينُ.

    اِنْطِبَاعَاتٌ بَعْدَ مُشَاهَدَةِ مَسْرَحِيَّةِ هَامِلِتَ بِبُطُولَةِ مُحَمَّدِ صُبْحِي، الَّتِي عُرِضَتْ عَامَ 1977 بِأَدَاءٍ مُذْهِلٍ مِنْ كُلِّ أَفْرَادِ الْعَرْضِ، وَخَاصَّةً مُحَمَّدِ صُبْحِي الْفَذِّ. لَقَدْ أَيْقَظَتْ هَذِهِ التَّجْرِبَةُ الْفَنِّيَّةُ الْخَالِدَةُ فِي دَاخِلِي تَأَمُّلَاتٍ عَمِيقَةً حَوْلَ صِرَاعِ الْإِنْسَانِ مَعَ الْظُّلْمِ وَأَهَمِّيَّةِ الْتَّمَسُّكِ بِالْقِيَمِ.

    خَاتِمَة: إِنَّ صَرْخَةَ هَامِلِتَ الدَّاخِلِيَّةِ هِيَ صَرْخَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا يُوَاجِهُ عَالَمًا يَخْتَلُّ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ. وَفِي النِّهَايَةِ، يَكُونُ النَّصْرُ حَلِيفَ مَنْ يَجُرُؤُ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَ نَفْسِهِ وَقِيَمِهِ، مَهْمَا كَانَ الثَّمَنُ.



    التعليقات
    0 التعليقات

    ليست هناك تعليقات :

    إرسال تعليق

    مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

    يتم التشغيل بواسطة Blogger.