إبراهيم الأبيض:
ملحمة بصرية وحكايات إنسانية في قلب العشوائيات
===========
فيلم "إبراهيم الأبيض" للمخرج مروان حامد، يمثل تضفيرًا فريدًا لكل أنواع الفنون السينمائية. يقدم العمل نسيجًا فنيًا متماسكًا تتكامل فيه عناصر التصوير، والديكور، والأداء التمثيلي، والموسيقى التصويرية، والمونتاج لخدمة رؤية الفيلم وتعميق تأثيره على المشاهد.
تميز الفيلم بتصويره للعشوائيات بطريقة تبرز جمالها الخاص دون السقوط في الصورة النمطية للقبح. وقد لعب مهندس الديكور أنسي أبو سيف دورًا محوريًا في بناء حارة المعركة والفيلا الوهمية داخل استوديو مصر، وهو ما يعكس عبقرية في التصميم التنفيذي. يمكن ملاحظة الرمزية البصرية في استخدام الألوان الترابية الداكنة التي تهيمن على مشاهد الحارة، مما يعكس حالة اليأس والقسوة، بينما تتخللها ألوان أكثر حدة في لحظات الصراع والعنف. كما يساهم تكوين المشهد في نقل العلاقات المتوترة بين الشخصيات وإبراز العزلة التي يعاني منها البعض.
تتعدد الحكايات الإنسانية في الفيلم، والتي تبدأ عند شخصية إبراهيم الأبيض، الطفل الذي يشهد مقتل والده ويعمل لاحقًا عند قاتله. تتصاعد الأحداث مع يتمه وفقدانه لوالدته، وصولًا إلى لحظة قتله لقاتل والديه، وهي النقطة التي تحدد مساره في مجتمع تحكمه قوانين القوة. يتناول الفيلم صراع القوة بين إبراهيم الأبيض الصاعد وعبد الملك زرزور المتنفذ، وتلاعب الأخير به لتحقيق مصالحه. ولا يمكن إغفال تأثير شخصيات ثانوية مثل "المعلمة" في الحارة، التي تمثل سلطة أخرى، أو نظرة الأطفال المشردين التي تعكس قسوة الواقع.
يُشاد بالإخراج البصري لمشهد الخناقة البلدي، وزوايا التصوير، والحركة التي توحي بالواقعية، بالإضافة إلى قفلة المشهد المؤثرة. تخدم الواقعية المفرطة في تصوير العنف هدف الفيلم في صدم المشاهد وتنبيهه إلى قسوة الواقع الذي يعيشه سكان هذه المناطق.
تميز اختيار الممثلين برؤية ثاقبة من المخرج مروان حامد. فقد جسد محمود عبد العزيز دور عبد الملك زرزور بهيبة آسرة، مقدمًا شخصية شريرة ولكنها معقدة بدوافعها ورؤيتها الخاصة للعالم. أما أحمد السقا، فقد تم تطويع موهبته ليصبح هو شخصية إبراهيم الأبيض. وقدم عمرو واكد تحديًا ناجحًا في دور عشري، فيما جسدت هند صبري شخصية حورية كامرأة تحاول البقاء في عالم ذكوري عنيف، وتتطور شخصيتها من الضعف إلى التمرد. يساهم استخدام اللهجة العامية في الحوار في جعل الشخصيات أكثر واقعية وتعبيرًا عن بيئتها.
يُذكر فضل مروان حامد في اكتشاف وتقديم سيد رجب ومحمد ممدوح للسينما.
لعب مدير التصوير سامح سليم دورًا هامًا في نقل المسكوت عنه خلال اللقطات والإضاءات المعبرة، فيما أضافت الموسيقى التصويرية لهشام نزيه بعدًا ملحميًا للصراعات. كما يُشَاد بالمونتاج لخالد مرعي وبباقي عناصر العمل الفني كستايلست والماكير.
يتناول الفيلم من خلال سيناريو عباس أبو الحسن موضوع العشوائيات وتأثيرها الاجتماعي، دون الانزلاق إلى القبح على مستوى الفكرة أو الحوار. يمكن مقارنة "إبراهيم الأبيض" بأفلام أخرى تناولت العشوائيات، لكنه يتميز بتركيزه على الجانب الإنساني وتصويره البصري المميز. يمكن استخلاص رسالة ضمنية من الفيلم حول ضرورة الاهتمام بهذه المناطق وساكنيها.
يرى البعض أن كثرة الدماء في الفيلم تعكس واقع الحارات وغياب سلطة القانون فيها، حيث تسود قوانين القوة. وقد أثار الفيلم نقاشًا وجدلًا مجتمعيًا عند عرضه حول تصوير العنف والعشوائيات.
في الختام، يقدم الفيلم صورة لمجتمع يعاني من أزمة في القيم الإنسانية، ويتناول تأثير الفقدان على شخصية إبراهيم الأبيض وعلاقاته. يمكن اعتبار الفيلم بمثابة جرس إنذار حول خطورة العشوائيات وتأثيرها المدمر.