الفتاه ذات وشم التنين
الخطوط المتقاطعه
=========
 |
| إضافة شرح |
نحن أمام عمل شديد العذوبة ويبدو سهلًا جدًا، حيث القصة الظاهرية هي البحث عن فتاة مفقودة منذ 40 سنة. وكانت تلك النقطة هي اللوحة الكبيرة التي رسم عليها صناع العمل الخطوط التي تبدو متوازية، ولكن في الحقيقة هي خطوط متقاطعة.
نحن أمام سيناريو شديد الدهاء من بداية العمل إلى آخر لقطة.
لأن السيناريست قام برسم كل خط من خطوط أفكاره بعناية شديدة جدًا لتلقى داخل المشاهد، وتلقف السيناريو مخرج بارع جدًا لم يمهل المشاهد ليقرأ أسماء صناع العمل في البداية، بل قام بتلخيص بعض من الأفكار من خلال مقدمة غير عادية، حيث اللقطات السريعة جدًا بها من الإبهام الشديد، لأننا نرى البطل غارقًا، أما الفتاة فنجدها غارقة في الأوحال السوداء التي يمكن اعتبارها رمزًا للفساد والظلام الذي يحيط بها وبالمجتمع. هذه الصورة القاتمة تتناقض بشدة مع تحولها النهائي إلى "طائر النار"، كناية عن قوتها المتجددة وقدرتها على التحرر والانتقام.
الخطوط المرسومة بعناية هي:
الخط الأول:
إلى القصة الظاهرية، وهي البحث عن فتاة وكيفية البحث الحقيقي من خلال الصحفي ومساعدته، وبالفعل قاموا بحل اللغز.
الخط الثاني:
البحث في عمق الحضارة المادية التي تهتم بما هو براق وزاهي تحت زعم التحضر، في حين أنها تحتوي على كل قبح إنساني، ويظهر ذلك في:
- رجل الأعمال الشهير وعميد الأسرة يقول: "سوف تقوم بالتحقيق مع اللصوص والطماعين والمتذمرين والمجرمين وحفنة من الأشخاص الأكثر بغضًا الذين التقيت بهم في حياتك، إنهم عائلتي." هذه الجملة تكشف عن النفاق العميق داخل الطبقة الثرية.
- الأسرة الكبيرة لا تسكن مع بعضها البعض، بل في أماكن متباعدة جدًا، بخلاف أنهم لا يتكلمون مع بعضهم البعض بسبب الكراهية والاحتقار لبعضهم البعض، مما يدل على تفكك الروابط الإنسانية في ظل التركيز على المصالح المادية.
- الرجل المسؤول عن التقييم بالمؤسسة الاجتماعية سيكوباتي (Psychopath)، ويتلذذ بإهانة الفتاة، حيث قام باغتصابها بوحشية غير عادية، فقامت هي بالانتقام منه انتقامًا، مما يبرز وحشية السلطة واستغلالها.
- الابنة الهاربة إلى لندن قالت: "لا يوجد أحد في العائلة متدين"، وأفادت أنها هربت لأنها قتلت والدها بعد ما اغتصبها عدة مرات، ولكن أخاه قتل والدهم فقام هو باغتصابها، كما قالت: "بدلت مغتصب بآخر"، وهذا يعكس دائرة العنف والاستغلال الجنسي المروعة داخل الأسرة.
- أحد أفراد العائلة المنبوذ من العائلة كلها بيته غير مرتب، وعندما قيل له ذلك رد بأنه لا يريد إخفاء الماضي تحت القشرة زاهية الألوان، وهو يريد أن يرى الآخرون كما هو، وهو أصدق واحد في السويد بالكامل، مما يشير إلى قيمة الصدق والمواجهة في مجتمع يسعى للتستر على عيوبه.
نحن أمام عمل ينقض الحضارة المادية التي حدثت في أوروبا وسحقت الإنسان أثناء البناء، لأن كل اهتمامها انصب على ما هو ملموس ومحسوس، والبعد بكل قوة عن ما هو روحي ووجداني. الكادرات الواسعة التي تصور المنتجات الحضارية الأوروبية لا تهدف فقط إلى عرض هذه المنتجات، بل إلى إظهار التناقض الصارخ بين هذا البريق المادي وبين حياة الإنسان المسحوقة والمليئة بالبؤس والعنف.
كل ذلك من خلال عمل سينمائي حقيقي، حيث السيناريو شديد الإتقان، والإخراج السلس والناعم لديفيد فينشر يتناغم مع الكاميرات وكأنك بداخله، مستخدمًا الإضاءة الداكنة والزوايا الموحية لخلق جو من الغموض والقلق. الموسيقى التصويرية الحريرية دون صخب لتْرينْت رِزْنُور وأَتِّيكُوس رُوس تعزز هذا الجو وتعمق الإحساس بالضياع والبحث عن الحقيقة، وكأنها صوت الضمير الإنساني بكل انفعالاته. التصوير مكمل لفكرة الفيلم، فلم نجد إلا كادرات واسعة ليرى المتفرج منتجات الحضارة الأوروبية ومقارناتها بالإنسان المسحوق حياتيًا.
نأتي إلى الأبطال (دانيال كريج) و (روني مارا):
فقد بادرا بأدوارهما بشكل مذهل، حيث التفهم لطبيعة الشخصية وهضمها والتلبس بها لدرجة أننا لم نر تمثيلًا بل معايشة. روني مارا نجحت ببراعة في تجسيد ليزبيث سالاندر المعقدة، بنظراتها الثاقبة وصمتها المعبّر، بينما قدم دانيال كريج شخصية ميكائيل بلومكفست الصحفي المثابر والباحث عن العدالة. لذا ظهر البطلان وكأنهما ميكائيل بلومكفست وإليزبيث سالاندر الحقيقيون بسبب الاندماج غير العادي في تقمص الشخصية.
فيلم لخص عدة كتب في جمل بسيطة ولكن مكثفة جدًا، ورسالته العميقة أنك يمكن أن تبني حضارة براقة قائمة على العلم، ولكن إذا أهملت الإنسان فإن تلك الحضارة تكون حضارة قاتلة للإنسان.
يقول محمد إقبال:
إذا الأيمان ضاع فلا أمانُ | ولا دنيا لمن لم يحيِ دينا ومن رضي الحياة بغير دينِ | فقد جعل الفناء لها قرينا وفي التوحيد للهمم اتحادُ | ولن تبنوا العُلا متفرقين ألم يُبعث لأمتكم نبيُ | يوحدكم على نهج الوئامِ ومصحفكم وقبلتكم جميعًا | منار للأخوة والسلامِ وفوق الكل رَحْمَنٌ رحيمٌ | إله واحد رب الأنامِ
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حديث: "لهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون من قتل المسلم"، لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولكن في معناه ما عند الطبراني في الصغير عن أنس رفعه: "من آذى مسلمًا بغير حق، فكأنما هدم بيت الله"، ونحوه من غير واحد من الصحابة، أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة، فقال: "لقد شرفك الله، وكرمك، وعظمك، والمؤمن أعظم حرمة منك". وفي الباب مما رواه النسائي من حديث بريدة مرفوعًا: "قدر المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"، وابن ماجه من حديث البراء مرفوعًا: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق"، والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو رفعه مثله، لكن قال: "من قتل رجلًا مسلم"، ورواه الترمذي.
ترشح الفيلم لـ 35 جائزة، بما فيهم جائزتين غولدن غلوب و5 جوائز أوسكار، وحصل على 12 جائزة.
0 التعليقات
