Rosemary's Baby

 Rosemary's Baby

==============



مقدمة لفهم "طفل روزماري"

قبل التعمق في التحليل الفني لفيلم "طفل روزماري"، لا بد من الوقوف على بعض التعريفات الأساسية التي تُعد مفاتيح لفهم سياق العمل الفني ودلالاته العميقة. الفيلم ليس مجرد قصة رعب، بل هو تعليق على أزمة الإيمان والقيم في المجتمعات الغربية بعد التنوير، حيث بدأت المرجعيات التقليدية تتراجع لصالح مرجعيات جديدة.

الكاثوليكية

للكاثوليكية دور بارز في تاريخ البشرية الحديث. ففي العصور القديمة، ساعد الباباوات على نشر المسيحية وتدخلوا لإيجاد حلول في مختلف الخلافات العقائدية. وفي العصور الوسطى، لعبت البابوية دورًا ذا أهمية علمانية في أوروبا الغربية، كما دعمت العلوم والفنون والفلسفات خلال عصر النهضة والنهضة البابوية، ومولت الكثير من المشاريع الاستكشافية والعلمية إلى جانب الفنية. حاليًا، تنشط مؤسسة البابوية، بالإضافة إلى إدارة الكنيسة وحفظ وحدتها، في الحوار المسكوني، والحوار بين الأديان، والعمل الخيري، وترسيخ العدالة الاجتماعية، والدفاع عن حقوق الإنسان. هذا يبرز الحضور القوي والمؤثر للدين المنظم في المجتمعات الغربية وتأثيره على كافة مناحي الحياة.

العلمانية

تُعرف العلمانية بأنها: "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلًا من الاهتمام بالشؤون الأخروية". هي ابتعاد عن شؤون الحياة الدينية والتأمل في الله واليوم الأخير. وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها. إلا أن العديد من الدارسين المسيحيين والسياسيين المحافظين يحاولون مرارًا وتكرارًا تصوير العلمانية كفرضية معادية للأديان، ومحاولة لدفع الدين خارج المجتمع واستبداله بالإلحاد أو فراغ من القيم والعدمية. وقد أدى هذان الجانبان إلى خلق صعوبات في سير الحياة السياسية بخصوص هذا الموضوع، مبرزين الصراع بين المنظور الديني والمنظور الدنيوي.

موت الإله (عند نيتشه)

كان نيتشه ملحدًا بطبيعته، لذا لم يكن يعني بمقولته "موت الإله" أن هناك إلهًا قد مات بالمعنى الحرفي، بل أن فكرتنا عن الإله هي التي ماتت. فبعد عصر التنوير، أصبحت فكرة الكون الذي تحكمه القوانين الفيزيائية، وليست العناية الإلهية، حقيقة واقعة. هذا يشير إلى أن النظريات الأخلاقية الكبيرة والمتسقة يمكن أن توجد بدون الرجوع إلى الإله. كان هذا حدثًا جللًا؛ حيث لم تعد أوروبا بحاجة إلى الإله كمصدر ومرجعية للأخلاق أو القيمة أو النظام في الكون، بل أصبحت الفلسفة والعلوم قادرتين على فعل ذلك. دفعت هذه الفلسفة العلمانية المتزايدة في الغرب نيتشه إلى إدراك أن الإله لم يمت فقط، بل أن البشر قد قتلوه بثورتهم العلمية ورغبتهم في فهم العالم بشكل أفضل. هذا الإعلان عن فقدان المرجعية المطلقة للقيم يمكن رؤيته في الفيلم كرمز للفراغ الروحي.

فيلم "طفل روزماري" (Rosemary's Baby)

تخيل يا مؤمن، كل التعريفات السابقة عن الكاثوليكية والعلمانية وفكر نيتشه عن موت الإله، كل هذا من أجل أن أكتب عن فيلم "طفل روزماري" (Rosemary's Baby). أرى أن هذه المفاهيم ضرورية للإجابة على الأسئلة التي قد تتبادر لذهن القارئ، وتوضح كيف يتشابك الفيلم بعمق مع هذه الأفكار الفلسفية والدينية.

تدور أحداث الفيلم حول زوجين يبحثان عن شقة قريبة من سنترال بارك. تعجبهما الشقة ويقرران استئجارها. الزوجة روزماري (ميا فارو) تتشوق لأن تكون أمًا ولها طفل، أما زوجها جاي (جون كاسافيتز) فهو حريص على تحسين حياته المهنية. يقابل الزوجان جاريهما غريبي الأطوار ميني ورومان كاستيفيت (روث جوردون وسيدني بلاكمر). الجاران العجوزان يرعيان امرأة شابة تنتحر بعد فترة قصيرة من لقائهما.

يقترب الجاران من الزوجين، ويزداد إحباط روزماري لأن زوجها لا يريد إنجاب طفل. لكن جاي يوافق أخيرًا على إنجاب الطفل، ثم تعطي ميني لروزماري قلادة عنق ساحرة عتيقة تحتوي على جذر نبات عطري. وبها تكون جاهزة لأن تحمل، ولكن ليس من جاي.

في عشاء خاص أعده الزوجان الشابان، يأتي الجاران بحلوى تم وضع المخدر فيها. وبعد أن تفقد روزماري الوعي، يجهزها الزوج للاغتصاب الذي سيقوم به الشيطان. ويزعم جاي بعد ذلك أنه هو من فعل ذلك، وتفسيره للخدوش التي على ظهرها بسبب الظلام وأن هذا الظلام زاد من هياجه الجنسي. في الواقع، جاي قد عقد صفقة مع الشيطان بأن تتحسن حياته المهنية كممثل مقابل هذا الحمل. ويقوم الجاران اللذان يعبدان الشيطان بحمل روزماري ويحرصان على أن يتابعها طبيب من أتباعهم "أتباع الشيطان". ويتخلصان بعد ذلك من العقبات التي تقف في الطريق ويقتلان "هاتش" صديق روزماري الذي كشف حقيقتهما وحاول تحذيرها.

تضع روزماري طفلها لتكتشف في النهاية أنه ابن الشيطان. تتأكد شكوك روزماري بأنها كانت ضحية، ولكن تنتصر رغبة الأمومة في النهاية وتقبل التعاون مع الشيطان. لقد قبلت أن تكون أمًا إلى الأبد، حتى لو كانت أمًا لابن الشيطان.

ملاحظات على الفيلم وتحليله

  • الفيلم كعمل سينمائي: مريح للعين، هادئ، ذو سيناريو متماسك وحوار جيد، والإخراج رائع، والأحداث منطقية طوال الفيلم.
  • الفكرة كارثية بالنسبة لنا كمسلمين: إيماننا الحقيقي أن الله لم يلد ولم يولد، ومن ثم لا يموت سبحانه وتعالى، مصدقًا للآيات الكريمة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ﴾ (الإخلاص)؛ وقوله تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ (الفرقان: 58).
  • مشكلة الترجمة: أرى أن المشكلة في مشاهدة الفيلم قد تكمن في الترجمة؛ لأن "الإله" غير "الله" سبحانه وتعالى. فمنذ فجر التاريخ، وُجدت آلهة عديدة عند كل الشعوب، ثم بدأ التوحيد بكل الأنبياء حتى خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
  • دعوة للالحاد ورمزية الشيطان: الفيلم يدعو إلى الإلحاد التام دون مواربة، بعبادة الشيطان بل الفخر بتلك العبادة. وهو متسق تمامًا مع فكر العلمانية والحداثة والرأسمالية المتوحشة التي نشأت بعد عصر النهضة الأوروبي للتخلص من تدخل الكنيسة المرعب في حياة الناس وصولًا إلى صكوك الغفران. في الفيلم، الشيطان ليس مجرد كائن شرير، بل هو قوة تتسلل إلى الحياة الطبيعية وتستغل الرغبات الإنسانية (رغبة جاي في الشهرة، رغبة روزماري في الأمومة). هذا يجعله أكثر رعبًا، لأنه ليس شيئًا خارجيًا تمامًا، بل يتغذى على ضعف البشر وطموحاتهم.
  • أفضل لقطة: هي لحظة الاغتصاب وقول البطلة "أن هذا ليس حلم بل حقيقة"، حتى يدرك المتفرج أن النهاية منطقية بالنسبة له.
  • القلق الوجودي: يمكن قراءة الفيلم أيضًا كرمز للقلق الوجودي الذي شعر به الإنسان الغربي بعد التخلي عن المرجعيات الدينية المطلقة. عندما تختفي الإجابات الجاهزة، يصبح الإنسان في مواجهة فراغ، وقد يجد نفسه عرضة لأي قوة (حتى لو كانت شيطانية) تَعِد بالمعنى أو الهدف أو النجاح. روزماري وجاي، كل بطريقته، يبحثان عن شيء لملء حياتهما، وينتهي بهما الأمر في قبضة قوى لا يستطيعان السيطرة عليها.

طاقم العمل

  • المخرج: رومان بولانسكي
  • السيناريو: رومان بولانسكي — إيرا ليفين
  • البطولة: مايا فارو، جون كاسافيتز


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.