"سعاد" - إخفاق تحت ستار الفن

"سعاد" - إخفاق تحت ستار الفن

============


في عالم السينما، حيث يُفترض أن يكون الإبداع مرآة تعكس الواقع أو تُحلق بنا في عوالم الخيال، تبرز أحيانًا أعمال تتحدى هذا المفهوم، لتترك المشاهد في حيرة بين الفن الحقيقي وادعائه. فيلم "سعاد" للمخرجة أيتن أمين هو مثال صارخ على هذا التحدي، عمل يبدو وكأنه أُنتج ليُثبت كيف يمكن للفشل أن يتسلل ببراعة تحت عباءة "الفن" الرفيع.

سيناريو مهلهل ومنطق مفقود

منذ اللحظات الأولى، يتضح أننا أمام سيناريو مهلهل تمامًا، فاقد لأبسط قواعد المنطق في تناول الحدث، وإن كان الفيلم يفتقر إلى حدث أساسي من الأساس. الحوار بين الشخصيات، خاصةً بين الفتيات، جاء عبثيًا بلا أي عائد درامي يذكر. مجرد جمل عائمة لا تبني شخصية ولا تدفع حدثًا، مما يترك المشاهد يتساءل عن غايته. هذا الحوار البَناتي، الذي لا نعرف مكانه أو سياقه (هل هو في بيت الطالبات أم منزل إحداهن؟)، هو مثال صارخ على تيه النص.

شخصيات غائمة وموت بلا مبرر

الشخصية المحورية، سعاد، تظهر كطالبة دون أي معلومات عن كليتها أو بيئتها. منزل سعاد يُصوّر كبيت مصري عادي جدًا، والأهم من ذلك، لا يوجد أي ضغط يمارس عليها بأي شكل من الأشكال. هذا الغياب التام للمحفزات يجعل أي تبرير لكونها مريضة نفسيًا أو تتعرض لقهر ما أمرًا عاريًا من الصحة الدرامية.

الكارثة الحقيقية تتجلى في موت سعاد دون سبب واضح أو معرفة لنا كجمهور. المعلومات الوحيدة التي تصلنا هي من خلال نواح الأم واللطم ولبس السواد. يترك الفيلم الخيال للمتلقي بطريقة غير منطقية، فتثور أسئلة مثل: هل كانت حامل سفاح؟ ولكن سرعان ما يأتي النفي على لسان خالتها بأنها عذراء. إذن، لماذا ماتت سعاد أو انتحرت؟ الفيلم لا يقدم أي مبرر درامي مقنع لهذه النقطة المحورية.

رحلة عبثية واختلال الأبوة

يأتي بعد ذلك حدث سفر أخت سعاد الصغرى، التي لا تتجاوز الـ 16 عامًا، إلى الإسكندرية لمقابلة حبيب سعاد الافتراضي. الحوار بينهما يبلغ أقصى درجات الطفولية والعبثية البحتة. وتتوج هذه العبثية بنومها في شقة واحدة معه دون أن يحدث أي شيء بينهما، في مشهد يثير الدهشة والاستغراب. الأب، الذي يمكن وصفه بـ"المغفل"، تصدقه ابنته عندما تخبره أنها في عيد ميلاد بالشارع المجاور. هذا يتناقض مع المنطق الإنساني الذي يحتم أن يكون الأب في قمة خوفه على ابنته الوحيدة بعد موت سعاد.

فشل على كل المستويات

باختصار، فيلم "سعاد" هو عمل رديء على كل المستويات. فكرته وهمية، وسيناريوه فشل فشلاً ذريعًا، وتخيله بدائي. أما الإخراج، فهو أقرب ما يوصف بأنه إخراج كليبات المنازل للهواة. إنه دليل على كيف يمكن للفشل أن ينجح في إضاعة وقتك في ملل رهيب تحت وهم الفن أو ادعائه.

اختيارات المهرجانات... لغز محيّر!

المفارقة الكبرى أن هذا الفيلم اختير للعرض في مهرجان كان السينمائي 2020، حيث عُرض ضمن الاختيارات الرسمية لدورة غير اعتيادية بسبب جائحة فيروس كورونا. كما عُرض ضمن فعاليات مهرجان ترايبيكا السينمائي 2021. بعد كل هذا، يظل السؤال معلقًا: كيف لعمل بهذا المستوى من الرداءة والتفكك أن يجد طريقه إلى قوائم مهرجانات عالمية مرموقة مثل كان وترايبيكا؟ هل هو وهم "العمق" الذي يختبئ خلف ستار الغموض والعبثية، أم أن السينما أصبحت أحيانًا تقيم الأعمال بمعايير تتجاوز المنطق الدرامي والرسالة الفنية؟ "سعاد" ليس فيلمًا يضيع وقتك فحسب، بل هو درس قاسٍ في الفشل الذي يتخفى تحت ادعاءات فنية واهية.

صناع الفيلم:

  • المخرجة: أيتن أمين
  • الإنتاج: إنتاج مصري تونسي ألماني مشترك (شركة فيفيد ريلز، أفلام نوماديز، فيلم كلينك)
  • القصة: محمود عزت
  • السيناريو والحوار: أيتن أمين، محمود عزت
  • البطولة: بسنت أحمد، بسملة الغيش، حسين غانم


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.