11 فبراير 2011: دروس مؤجلة وتحديات مستمرة
==============
11 فبراير 2011: دروس لم تُستوعب وتداعيات مستمرة
يمثل يوم 11 فبراير 2011 لحظةً فارقةً في تاريخ مصر الحديث؛ زلزالًا هزّ أركان نظام بدا عصيًا على التغيير لعقود. لقد كان يومًا تجلى فيه بجلاء هشاشة القوة الغاشمة، مهما بلغت من عتاد بشري ومادي، أمام إرادة شعبية اتحدت مطالبةً بالحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية. كانت تلك اللحظة بمثابة بصيص أمل حقيقي بتجاوز حالة الجمود الفكري والثقافي التي رزحت تحتها البلاد طويلًا، وبارقة أمل في إعلاء شأن العقل النقدي المستقل القادر على مساءلة المسلمات ورفض التلقين، والساعي بجرأة لتمزيق "كتالوج" التفكير الأحادي الذي كبّل العقول.
في تلك الأيام الثورية، بدا وكأن ثقافة الإزاحة المعهودة، التي دأبت على إلقاء اللوم على قوى خارجية أو تبرير الإخفاقات بأسباب واهية، تتراجع قليلًا أمام وعيٍ متنامٍ بضرورة مواجهة الذات ومصارحة العيوب الجذرية. بدأ الانتباه يتجه نحو آليات الإيهام والتضليل الممنهجة التي حكمت الخطاب السياسي والإعلامي لعقود، وكُشفت تدريجيًا مصداقية العديد من النخب السياسية، والإعلامية، والثقافية التي بدت منفصلةً عن واقع الشارع وتطلعاته؛ مما عزز الشعور المرير بأن الخيبة الحقيقية تكمن فيمن منحناهم ثقتنا وتصورناهم قادةً وممثلين لطموحاتنا، ليكتشف الجميع لاحقًا فشلهم في أداء الدور المنوط بهم.
لقد كانت تلك الفترة بمثابة استدعاءٍ ضمنيٍ لقيمة الفلسفة في فهم أعماق التحولات الاجتماعية والسياسية، ولأهمية المنهج العلمي في تحليل ديناميكيات التغيير والفوضى التي لم تكن عشوائيةً أو عبثيةً بالضرورة، بل ربما تخضع لمنطقٍ خفيٍ أو قوى فاعلة تسعى لتحقيق أهداف محددة. كما تعمقت لدى الكثيرين قناعةٌ راسخةٌ بأن "جريمة" نظام مبارك لم تقتصر على ممارسات الديكتاتورية الفردية وقمع الحريات، بل امتدت لتشمل تدميرًا بنيويًا ممنهجًا لإمكانيات التنمية البشرية والاقتصادية، وتكريسًا لثقافة الفساد والاستبداد.
تساؤلات بلا إجابات: لماذا 30 يونيو؟
غير أن مسار الأحداث اللاحقة، وما آلت إليه الأمور بعد سنوات من تلك الهزة العظيمة، يثير تساؤلات عميقة حول مدى استيعاب الدروس الحقيقية ليوم 11 فبراير. فصعود موجات الفردانية المفرطة وتراجع الاهتمام الحقيقي بالشأن العام وقضايا الوطن، بالإضافة إلى الإخفاق في بناء نظام سياسي ديمقراطي مستدام يجسد تطلعات الثورة، يطرح علامات استفهام كبيرة حول جدوى التضحيات.
إن فهم التفاعلات المعقدة للسياسة الدولية والمحيط الإقليمي المضطرب، وإدراك موقع مصر الاستراتيجي الحقيقي ودورها المحوري في هذا السياق المتشابك، كان من المفترض أن يتعمق ويتضح أكثر بعد تلك الهزة التي أيقظت الوعي الجمعي. كما أن القيمة الهائلة لوسائل الإعلام بكل أشكالها وأنواعها في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، والأهمية القصوى للاحترافية والموضوعية في نقل الحقيقة وبناء الثقة، كان يجب أن تترسخ كمبادئ أساسية.
لكن، لماذا أتى يوم 30 يونيو 2013؟ يبقى هذا السؤال محور نقاش وجدل مستمر. هل كان ذلك نتيجةً لعدم اكتمال الوعي بالتحديات الهائلة التي واجهت مسار التحول الديمقراطي؟ أم بسبب الانقسام الحاد والاستقطاب السياسي والمجتمعي الذي أضعف الجبهة الداخلية؟ أم ربما كان ذلك نتيجةً حتميةً لاستغلال قوى "الدولة العميقة" وتغلغلها لإعادة رسم المشهد السياسي وفقًا لأجنداتها الخاصة؟
صفعة الوعي وخداع ما بعد الثورة
لقد كان يوم 11 فبراير بمثابة "صفعة" قوية أيقظت ضمير أمة وهزت "عروشًا وكروشًا" على المستويين المحلي والإقليمي، لكن يبدو أن "الخداع العلمي والمنهجي" الذي تلا تلك اللحظة التاريخية أعاد الأمور إلى مسارات أخرى ربما لم تكن في صميم تطلعات الثوار. فـ"حرية الصراخ" التي مُنحت مؤقتًا سرعان ما تراجعت لصالح قيود جديدة، وبدا "التنحي المزعوم" بمثابة بداية لمرحلة جديدة من "اصطياد الفئران المذعورة" بمصائد أكثر تطورًا تعتمد على الغباء، والطمع، والغرور.
في نهاية المطاف، يبقى يوم 11 فبراير علامةً فارقةً في سجلات تاريخ مصر، محطةً تستدعي تأملًا نقديًا ومستمرًا للدروس التي ربما لم نستوعبها بشكل كامل، وللفرص التاريخية التي رببا أُهدرت في خضم الصراعات والتجاذبات، وللتأثيرات العميقة لتلك اللحظة على مسار مصر ومستقبلها حتى يومنا هذا. إن فهم أبعاد تلك التجربة بكل تعقيداتها يظل ضروريًا لاستخلاص العبر وبناء مستقبل أفضل، أملًا في أن تُستوعب هذه الدروس أخيرًا.