مصر: رمانة الميزان.. وتحولات الشرق الأوسط الجديد
==========
بمنتهى الصراحة، واللى يزعل يزعل، مصر هي رمانة الميزان في الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم الإسلامي. اللاعب الكبير القابع في البيت الأبيض، وبدافع من مصالح "العم سام" وفقط، حرّك كل القطع في الشطرنج الشرق أوسطي. من اتفاق مع إيران (وأظن أنه لا اتفاق)، إلى جر المملكة إلى اليمن بعد السماح للحوثيين بالتمدد أولًا، ومشاغبات داعش مع تركيا، وانهيار ما كانت تسمى سوريا، وضياع الدولة الوطنية في لبنان لتصبح على شفا حرب الطوائف، وليبيا التي انتهى وجودها كدولة لها كيان. أما العراق، فبالأساس ليس موجودًا كدولة منذ عشر سنوات.
كل هذه التحركات العنيفة جعلت الجميع في أمس الحاجة لمصر، سواء من اللاعب الكبير نفسه أو القطع التي تحركت قسرًا.
استحالة التغيير: واقع أم وهم؟
من هنا نقول، ورزقنا على الله، أي تغيير في نظام الحكم في مصر بعد استقراء الأحداث الإقليمية شبه مستحيل. ذلك لأن ترتيب الشرق الأوسط الجديد، الذي تشكلت ملامحه بعنف، يضع مصر في قلبه. فاللاعب والمتحركون قسرًا لا يعرفون حرية رأي ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان ولا إرادة حرة، كل ما يعنيهم هو مصالحهم الصارمة.
كلام المثقفين الذي لا يسمن ولا يغني من جوع لا يغير من هذا الواقع شيئًا. المصالح للعم سام وفقط. وبناءً عليه، من ينتظر التغيير لأي شيء قادم، فالرد البسيط هو: انسَ. أما الرد العميق فهو: مستحيل.
ما وراء الواجهة: عوامل الاستقرار والتكيف
التحليل السياسي ينتهي هنا، لكن من الضروري الإشارة إلى أن استقرار هذا الوضع، وإن كان مدفوعًا بمصالح خارجية قارفة، فإنه يعتمد أيضًا على عوامل داخلية معقدة. فالنظام في مصر، رغم الضغوط الخارجية والداخلية، يمتلك قدرة على إدارة الشأن الداخلي والحفاظ على قبضته الأمنية والاجتماعية.
وإذا كنت أرى أن الشعب "راقص على أنغام خطوات هذا النظام"، فهذا يعكس واقعًا من التكيف، أو ربما الانشغال بقضايا الحياة اليومية التي تجعل التغيير الجذري يبدو خيارًا بعيد المنال أو غير مرغوب فيه في ظل حالة عدم اليقين الإقليمي. هذا لا ينفي وجود تحديات داخلية، لا سيما الاقتصادية منها، ولكنها غالبًا ما تُدار بطرق تمنع الانفجار، أو تُقابل بقدرة على استيعاب الضغوط.
التحديات الكامنة وديناميكيات التأثير
بالإضافة إلى ما سبق، يجب ألا نغفل تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الأدوات، وإن لم تؤدِّ إلى تغيير جذري في الأنظمة بشكل مباشر، فقد غيَّرت من ديناميكيات الرأي العام والقدرة على التعبير، مما يضع ضغوطًا من نوع جديد على الحكومات. كما أن ديناميكيات القوى الإقليمية المتنافسة (مثل تركيا وإيران والسعودية) تُلعب أدوارًا معقدة، تؤثر بشكل غير مباشر على استقرار الدول وتوازن القوى في المنطقة، مما يجعل مصر نقطة ارتكاز حاسمة لهذه التوازنات.
على الصعيد الداخلي، تظل التحديات الاجتماعية كالبطالة والتعليم من العوامل الضاغطة التي قد تؤثر على الاستقرار على المدى الطويل، حتى في ظل قبضة أمنية قوية. القدرة على معالجة هذه التحديات ستكون حاسمة في الحفاظ على التماسك المجتمعي.
الخلاصة: هل يتغير "شبه المستحيل"؟
قد لا يكون التدخل الخارجي دائمًا عسكريًا مباشرًا، بل قد يأخذ أشكالًا أخرى من الضغوط أو الأدوات الناعمة التي تسعى لتوجيه السياسات دون قلب الأنظمة. التوازنات الإقليمية أيضًا تتغير ببطء، مما قد يعيد تشكيل خارطة المصالح بمرور الوقت. ولكن حتى في هذه التغيرات، تبقى مصر هي الثقل الأساسي.
بالنهاية، عندما أقول "شبه مستحيل"، فذلك لأن عالم السياسة نادرًا ما يعرف المستحيل المطلق. لكن طبيعة التغيير، إن حدث، قد تكون تدريجية ومن داخل النظام نفسه، كتكيف مع المتغيرات وليس ثورة شاملة يطالب بها البعض.
لقد تكلمت سياسة، ولا أحد يزايد على العبد لله ويقول المستقبل بيد الله لأني أعلم هذا علم اليقين. ولا أحد يزايد علي ويقول الشعب رافض لنظام الحكم الحالي، ردي أن الشعب راقص على أنغام خطوات هذا النظام. أي رد فيه شبه إساءة للعبد لله مرفوض بكل الأشكال. رد سياسة وفقط إن كنت تعلم دروبها.