المزايدون: تشريح لغة الصخب ودوافع الفراغ. ===================
حين يكون الصخب قناعًا للفراغ
في قرية بعيدة، كان "سادن" رجلًا يعرفه الجميع. لم يكن يزرع ولا يصنع ولا يبني... لكنه كان يتكلم. كل صباح، كان سادن يعتلي ساحة القرية، يجلجل صوته بالكلمات عن الشرف، الفضيلة، الوطنية... حتى صدّقه الناس، ورفعوه فوق رؤوسهم. كم من "سادن" نعرفه اليوم، يعتلي منصات مختلفة، يبيع الوهم بالكلمات المعسولة؟ لكن ذات يوم، حين احتاجته القرية حقًا لمواجهة خطر داهم، لم يجدوا منه شيئًا... لا عرقًا في الحقل، ولا أثرًا في البناء، ولا حتى خطوة في طريق العمل. "كم من صوتٍ عالٍ يخفي وراءه قلبًا خاويًا."
من هم المزايدون؟ إنهم رجال الحناجر، لا الأفعال. باعة الكلام، الذين يتقنون فن تزيين السطح وإخفاء العمق الضحل. أسياد الكلمات المنمقة، وعمالقة التنظير العاجز، وجبناء العمل الحقيقي. يحكمون على الآخرين بميزان مشوّه، يرون القشة في عين غيرهم ويتجاهلون الجذع في أعينهم. يجلدون المختلفين بسياط الفضيلة الكاذبة، يستخدمون الأخلاق كأداة قمع لا كبوصلة للخير. ويخافون من كل روح حرة، من كل نجاح هادئ، لأن صمت المنجزين يفضح ضجيجهم العقيم. ألم تصادف أحدهم يومًا؟ "لا يكره الصمت إلا من يخشى أن يسمع صوت فشله الداخلي."
لماذا يزايدون؟ لأنهم خاسرون... في معركتهم الحقيقية مع الذات، هربوا إلى ساحات زائفة يقاتلون فيها طواحين الهواء. هربوا من مواجهة أنفسهم، فاختلقوا معارك مع الآخرين. كل بسمة صادقة، كل فكرة مختلفة، كل إنجاز صامت... يشعرهم بأنهم عراة أمام الحياة، يكشف زيف قناعهم الصاخب. "الفاشل لا يهدأ إلا حين يفسد حوله كل جمال."
كيف يؤذوننا؟ يحوّلون الحلم إلى جريمة، يثبطون العزائم ويقتلون الطموح باسم المثالية المفرطة. ويغتالون الاختلاف باسم الأخلاق، يضيقون الخناق على الإبداع والتنوع. ويشعلون الحروب تحت رايات براقة زائفة، يستخدمون الشعارات الرنانة لتبرير الفتن والصراعات. يغرقون المجتمع في ضوضاء فارغة، حتى يضيع صوت الحقيقة الخافت بين عاصفتهم، يخلقون فقاعة من الصخب تمنعنا من رؤية الواقع بوضوح. "حين يغيب الصدق... يتوحش الكلام."
كيف تتعامل معهم؟ لا تدخل حربهم، فالساحة مصممة لخسارتك، لأنهم أساتذة في فن الجدال العقيم وإثارة الفتن. لا ترفع صوتك فوق صراخهم، بل ازرع ورودك بصمت، دع أفعالك تتحدث بصوت أعلى من ضجيجهم. آمن بنفسك... ولو وقف العالم كله ليشكك بك، فالقيمة الحقيقية تنبع من الداخل لا من تصفيق الآخرين. "الهدوء سلاح النبلاء... فلا تلوث يديك بمعركة الطين."
حين مات سادن، لم يرثِهِ سوى صدى كلماته الفارغة. انطفأ ضجيجه كفقاعة صابون لم تترك أثرًا. أما ذلك الفلاح الصامت، الذي عرك جبينه الأرض بعرق الجد، فقد ازدهرت أرضه بالخير الوفير، وأطعمت سنابله أجيالًا. قصته لم تُروَ بالصخب، بل همسها التراب شهادة على قيمة العمل الخالص.
في زمن يمجد فيه الزيف ويعلو فيه صراخ الباطل، تذكروا: القيمة الحقيقية ليست في الضجيج، بل في الأثر. ليست في الكلمات المعسولة، بل في العرق الصادق. فليكن صمتكم مدويًا في ساحة العمل، وليكن أثركم خالدًا في ذاكرة الأرض. في زمن المزايدين... كونوا أنتم، لا صدى لهم.
المزايدون ليسوا فئة واحدة. منهم من يتاجر بالدين، يرفع راياته العالية ليخفي فراغًا روحيًا أو مصلحة شخصية. ومنهم من يزايد بالوطنية، يعلو صوته بالهتافات ليغطي على تقصيره وعجزه عن الفعل. ومنهم من يتستر بعباءة الأخلاق، يجلد الآخرين بكلمات قاسية ليبرر أحكامه المتعالية. هذا الصخب غالبًا ما يكون قناعًا لفراغ داخلي، وهروبًا من مواجهة الذات أو العمل الحقيقي الذي يثمر.
في زمن يعلو فيه الضجيج وتكثر فيه الأصوات الزائفة، يصبح العمل الصامت والأصيل هو الثورة الحقيقية. أن تترك أثرًا حقيقيًا في العالم، بدلًا من مجرد صدى لكلمات فارغة.
# عش_بهدوء اترك_صوتك_في_السنابل لا_تنافس_الصراخ