سحر الحنجرة الذهبية

سحر الحنجرة الذهبية:
 دراسة في أغاني علي الحجار وتأثيرها على الدراما التليفزيونية


======


مقدمة:

تظل أغاني الفنان القدير علي الحجار علامة بارزة في تاريخ الدراما التليفزيونية المصرية، وخاصة تلك الروائع التي جمعته بالثنائي العبقري سيد حجاب وعمار الشريعي. هذا التعاون الثلاثي أنتج لنا كنوزًا فنية تجاوزت مجرد كونها تترات لمسلسلات، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نسيج هذه الأعمال وتأثيرها العميق على المشاهد. إن صوت علي الحجار، بتفرده ومرونته وقدرته المذهلة على التطريب، يمثل مدرسة غنائية قائمة بذاتها، تستحق منا وقفة لدراسة تأثيرها وسحرها.

المحور الأول: علي الحجار.. صوت يتربع على عرش الغناء العربي:

يمتلك علي الحجار حنجرة ذهبية فريدة، قادرة على التلون بسلاسة بين مختلف الألوان الغنائية، من الطرب الأصيل إلى الأداء الدرامي المؤثر. إن صوته ليس مجرد أداة، بل هو كيان فني متكامل، يمتلك القدرة على تجسيد أعمق المشاعر والأحاسيس بصدق проникновенный. فعندما يستمع المرء إلى أدائه، يشعر وكأنه يرى المشاعر تتجسد أمامه، سواء كان الحزن العميق في "في قلب الليل" أو القوة والعزيمة في تترات المسلسلات الصعيدية. ويكفيه فخرًا أنه الفنان الوحيد الذي تجرأ على خوض غمار رباعيات الشاعر الفيلسوف صلاح جاهين بألحان سيد مكاوي العبقرية، تاركًا بصمة لا تُنسى في هذا العمل الخالد.

لم يقتصر إبداع الحجار على هذا فحسب، بل امتد ليطال التعاون مع نخبة من عمالقة التلحين والشعر في مصر والعالم العربي، أمثال بليغ حمدي الساحر، والشاعر المرهف عبد الرحيم منصور (الذي ربما لم يحظَ بالشهرة التي يستحقها عبقريته)، وغيرهم الكثير. كما أثبت احترامه وتقديره لتراث الموسيقى المصرية بغنائه لأعمال روادها محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي.

ولعل خير دليل على قدرته الفائقة على خدمة الدراما التليفزيونية هي أغانيه الخالدة في مسلسلات تركت بصمة في وجدان المشاهدين، مثل أغنية "في قلب الليل" التي يخترق صوت الحجار فيها أعماق الروح بتعبيرية فريدة، والمقدمات والنهايات الآسرة لمسلسلات "حدائق الشيطان" و"الليل وآخره" التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هوية هذه الأعمال. فعلى سبيل المثال، في تتر مسلسل "الليل وآخره"، ينجح الحجار في استخدام تطويله المميز لكلمات مثل "يا ليل ما أطولك" ليجسد ببراعة إحساس الوحدة والضياع الذي يسيطر على شخصية يحيى الفخراني، ويتكامل لحن عمار الشريعي الحزين مع هذا الأداء الصوتي ليخلق حالة من التأثر العميق لدى المشاهد قبل حتى أن تبدأ الأحداث. وبحق، يمكن وصف علي الحجار بأنه سيد الغناء العربي لما يمتلكه من حنجرة ماسية وقدرة استثنائية على الإبداع والتأثير.

المحور الثاني: علي الحجار وعشق الدراما الصعيدية.. ثنائية لا تُنسى:

ارتبط صوت علي الحجار ارتباطًا وثيقًا بعالم الدراما التليفزيونية الصعيدية، ليصبح بمثابة العلامة المميزة لهذه الأعمال التي تعكس ثقافة وتقاليد صعيد مصر. لقد بلغ عدد تترات المسلسلات الصعيدية التي تغنى بها بصوته العذب تسعة عشر عملًا فنيًا لا تُنسى، من بينها روائع مثل "حدائق الشيطان"، "شيخ العرب همام"، "الليل وآخره"، "ابن ليل"، "وادي الملوك"، "الرحايا"، "العصيان"، "ذئاب الجبل"، "كفر عسكر"، "غوايش"، و"الأيام". لقد أصبحت هذه التترات جزءًا أصيلًا من تجربة مشاهدة هذه المسلسلات، لا يمكن تصورها بدون هذا الصوت الذي يحمل في طياته أصالة الجنوب وعراقته. وغالبًا ما يتميز أداء الحجار في هذه التترات بنبرة قوية وعزيمة تعكس طبيعة الشخصيات والأحداث في هذه الأعمال.

المحور الثالث: ثلاثية الإبداع.. حين تتكامل الكلمات والألحان والصوت:

يشكل التعاون الفني بين علي الحجار والموسيقار العبقري عمار الشريعي والشاعر المرهف سيد حجاب ثلاثية إبداعية فريدة من نوعها. لقد تضافرت جهود هؤلاء العمالقة لإنتاج أعمال فنية خالدة في عالم تترات المسلسلات، حيث امتزجت الكلمات المعبرة بألحان آسرة وبصوت الحجار الساحر ليخلقوا حالة فنية متكاملة. ولعل تترات مسلسلات مثل "الليل وآخره" و"حدائق الشيطان" خير مثال على هذا التكامل الإبداعي، حيث استطاعت هذه الأعمال أن ترسخ في ذاكرة المشاهدين ليس فقط بأحداثها وشخصياتها، بل أيضًا بأغانيها التي تحمل روح العمل وتعمق من تأثيره العاطفي. فعلى سبيل المثال، يرى الناقد الموسيقي [يمكن إضافة اسم ناقد هنا] أن صوت الحجار في تتر "حدائق الشيطان" يعكس ببراعة حالة الصراع الداخلي والغموض التي تسيطر على الأحداث، وذلك من خلال نبرة صوته القوية وأدائه المليء بالشجن.

المحور الرابع: تعاونات أخرى بارزة.. تنوع وثراء:

لم يقتصر إبداع علي الحجار في مجال تترات المسلسلات على هذا الثلاثي الذهبي فحسب، بل امتد ليشمل التعاون مع كوكبة أخرى من كبار الموسيقيين والشعراء، الذين أثروا مسيرته الفنية بتنوع أساليبهم وألوانهم. نذكر من بينهم أسماء لامعة مثل عبد الرحمن الأبنودي، وعمر خيرت بموسيقاه التصويرية الأخاذة التي تكللت بأداء الحجار، وياسر عبد الرحمن، وبليغ حمدي الذي لحن له أيضًا، ومحمد الموجي، وجمال سلامة، وأحمد الحجار، وأمير عبد المجيد، ومحمد علي سليمان، وأحمد شفيق كامل، وفاروق الشرنوبي، وميشيل المصري، ومنير الوسيمي، وعبد السلام أمين، وجمال بخيت وغيرهم الكثير. هذا التنوع في التعاون يؤكد على قدرة الحجار على التكيف مع مختلف الرؤى الفنية وتقديم أداء متميز في كل مرة، وغالبًا ما كان ينجح في تلوين صوته ليناسب طبيعة كل عمل درامي.

المحور الخامس: اعتراف الفنان.. نظرة على مسيرته:

في حوار صريح، اعترف الفنان علي الحجار بصدق حول نقطة قد يراها البعض قصورًا في مسيرته، وهي عدم امتلاكه "عقلية إدارية" و"الذكاء الاجتماعي" الكافيين لإدارة مشروعه الفني بشكل مثالي. وقد عبر عن تمنيه لدعم مؤسسة كبرى تتبنى موهبته، مشيرًا إلى أن تعامله الفردي لم يحقق النتائج المرجوة. ومع ذلك، فقد أظهر رضاه العميق بنصيبه وما حققه من إنجازات فنية خالدة. هذا الاعتراف الصادق يضيف بعدًا إنسانيًا لشخصية الفنان الكبير ويزيد من تقديرنا لموهبته الخالصة.

المحور السادس: نشأة الفنان.. جذور الموهبة:

ولد الفنان القدير علي إبراهيم الحجار في الرابع من أبريل عام 1954 بحي إمبابة العريق. وبعد إتمامه المرحلة الثانوية، التحق بكلية التجارة امتثالًا لرغبة والده الفنان إبراهيم الحجار الذي كان يخشى عليه من صعوبات العمل في الوسط الفني. لكن شغفه بالفن غلب كل شيء، وسرعان ما التحق بكلية الفنون الجميلة وتخرج منها عام 1979، ليجمع بذلك بين الدراسة الأكاديمية للفن والموهبة الفطرية. وخلال فترة دراسته، انضم هو وأخوه أحمد إلى فرقة التخت العربي لإحياء التراث الموسيقي الأصيل، مما ساهم في صقل موهبته وتعميق فهمه للموسيقى العربية. هذا الانغماس المبكر في التراث ربما ساهم في ثراء أدائه وقدرته على استيعاب مختلف الألوان الغنائية.

الخاتمة:

تظل أغاني علي الحجار في المسلسلات علامة فارقة في تاريخ الفن المصري، وشاهدًا على موهبة فذة وقدرة استثنائية على التعبير والتأثير. إن صوته، بتفرده وعمقه، قد ارتبط بوجدان المشاهدين عبر أجيال، وأصبحت تتراته جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الدراما التليفزيونية. إن دراسة هذا الجانب المضيء من مسيرة هذا الفنان القدير هي ضرورة لفهم قيمة الفن الحقيقي وتأثيره الخالد على الوجدان والذاكرة الجمعية.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.