الكتابة الانفعالبة

 الكتابة الانفعالبة 

بين ضوضاء الشارع وسكون القرار:

 تفكيك لـ"الحدث" المصنوع


========


وسط الدعوات المتكررة التي تصلني للكتابة عمّا يُسمّى بـ"الأحداث"، يفرض سؤال جوهري نفسه: أين هي الأحداث أصلاً؟

هل ما نراه فعل حقيقي؟ أم مجرد صدى مصنّع لغياب الفعل، ومحاولة لتوليد موجة بلا موجة؟

ولنفترض – جدلاً – أن ما يجري يستحق أن يُسمّى حدثاً، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً يظل:
ما الدافع الحقيقي وراء هذا الغضب المفاجئ؟ وما الهدف منه؟ وما المقابل المنتظر؟

ثقافة القطيع: من السلوك الاجتماعي إلى إلغاء الإرادة

أن يتحول الفرد إلى تابع لقرار أو رأي يصدر عن آخرين هو تكريس مباشر لما يمكن تسميته ثقافة القطيع.
وهي ليست مجرد حالة اجتماعية، بل تخلٍ كامل عن الإرادة الكانطية، وتراجع عن مبدأ الوعي الذاتي الذي شكّل حجر الأساس لفلسفات التنوير.

إن رفض الاصطفاف خلف الأصوات المرتفعة هو بداية التفكير الحر، لكن الحرية الحقيقية تبدأ من تفكيك الضوضاء الإعلامية التي يُعاد إنتاجها لتتحول إلى موجة بلا جوهر… وفرد بلا ظل.
وهذا ما أرفضه بوضوح.

اتساق القيادة… وتعارض المزاج الشعبي

منذ 3 يوليو 2013، قدّم الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه كشخصية متسقة مع ذاتها، واضحة في قراراتها ومشروعها للبناء.
وقد سار في خط مستمر لم يتبدل، بينما تغيّر المزاج الشعبي بين التأييد والتصفيق والصمت.

لكن السؤال الحقيقي هو:
هل يكفي اتساق القيادة لتفسير الانفجار المفاجئ في الغضب؟
السياسة قد تتسق، لكن الضغوط الاقتصادية هي التي تراكمت، وهي التي صارت المتغير الأكثر تأثيراً في الشارع، لا المسار السياسي ذاته.

فهل كان الصمت السابق تعبيراً عن رضا؟ أم مجرد هدنة مؤقتة مع الواقع؟

النشاط الزائف: ثورة دون ثوار

الفضاء الإلكتروني اليوم يعج بخطابات نارية، وهتافات افتراضية، وطموحات مُغلّفة بعاطفة ساخنة.
لكن ما ينقص هذا المشهد هو الدور الحقيقي.

ما نراه ليس حراكاً سياسياً، بل تجسيد واضح لـ "النشاط الزائف" (Slacktivism):
حماسة تُستهلك في تدوينات ومشاركات، دون أثر ميداني أو رؤية بديلة.
فما الذي قدمه أصحاب هذه الأصوات، غير إعادة تدوير الغضب داخل فقاعة رقمية؟
وما القيمة التي يدّعون الدفاع عنها؟
وهل يدركون أن هذا الضجيج يُستخدم أحياناً كصمام أمان يمتص الغليان ولا يحوله إلى قوة منظمة؟

بين الزوبعة والسيناريوهات المصنوعة

قراءة المشهد الآن تقود إلى احتمالين:

  • زوبعة في فنجان تُضخمها وسائل التواصل.

  • أو حركة مصنوعة لها أهداف تتجاوز وعي المشاركين فيها.

وفي كلا السيناريوهين، يظل الجمهور – للأسف – مفعولاً به لا فاعلاً.
وعليه، من غير الدقيق وصف ما يجري بثورة أو موجة سياسية جديدة.

بناء الدولة… لا بناء اللحظة

موقفي واضح:
الرئيس السيسي هو باني مصر الحديثة المؤسسية، والمشروع الذي يقوده يقوم على تحصين الدولة لا تحصين الأشخاص.
وهذا المسار لا يمكن أن يُهدد بضوضاء عابرة أو اندفاعات بلا مشروع.

خاتمة: وضوح الموقف لا يحتمل التأويل

افعل ما تشاء، واصرخ كيفما تشاء،
لكن بعيداً عن جرّ المجتمع إلى ضوضاء بلا مضمون
وبعيداً عن المساس بالمسار الوطني الذي دفع الجميع ثمن بنائه.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.