رؤية مغايرة في زمن الركود الفكري
=======
حين يصبح التفكير فعل مقاومة
في زمنٍ تتشابه فيه الأصوات، وتخفت فيه الأسئلة أمام ضجيج الشعارات، يصبح التفكير المختلف عملًا بطوليًا، بل مقاومة حقيقية ضد تيار الركود العقلي الذي أصاب مجتمعاتنا في مقتل. قد يُقال عن أصحاب الرؤى المغايرة إنهم حالمون، أو أنهم يسبحون عكس التيار، وربما يُتهمون بالغرابة أو الوهم. لكن الحقيقة أن كل نهضة بدأت ذات يوم بفكرة خرجت عن المألوف، وبعقل رفض الاستسلام للتقليد والخرافة.
أنا لا أكتب لأزهو بقلمي، ولا لأتزين بعبارات منمقة تخفي وراءها واقعًا مؤلمًا. أكتب لأن الصمت بات تواطؤًا، ولأن العقلانية في زمن الاضطراب صارت نوعًا من الشجاعة. قد أخطئ في بعض الرؤى، لكنني مؤمن بأن الخطأ في التفكير خير من الصواب في التبعية، وأن الحلم بمجتمعٍ يفكر أسمى من العيش في قطيعٍ لا يرى ولا يسمع.
ما أطمح إليه هو خلق مسار جديد، قوامه العقل والمنطق، في مجتمع أنهكته الأساطير الموروثة والتصورات الجامدة. فكم من فكرة خاطئة تحولت إلى مقدّس، وكم من خرافة لبست ثوب الحقيقة حتى استوطنت الوجدان. نحن بحاجة إلى هدم هذه الأصنام الفكرية التي تقيد العقول وتمنعها من التحليق، بحاجة إلى يقظةٍ تعيد الإنسان إلى جوهره، وتدفعه إلى التفكير النقدي ومراجعة ما اعتاد قبوله بلا تمحيص.
لست نبيًا ولا مصلحًا كبيرًا، إنما مجرد كاتب يحاول أن يكون مرآة تعكس الواقع كما هو، دون تزييف أو تهوين. أؤمن أن التغيير يبدأ من الكلمة، وأن الحروف حين تُكتب بصدق تصبح بذورًا تُنبت وعيًا جديدًا في عقول عطشى إلى النور. وما نحتاجه اليوم ليس المزيد من الخطابات العاطفية، بل العلم والمعرفة والثقة بالنفس. نحن لا نفتقر إلى القدرات، بل نفتقر إلى الإيمان بقدرتنا على النهوض.
إن صناعة التحول الحقيقي لا تقع على كاهل فردٍ واحد، بل هي مسؤولية كل عقلٍ مستنير. كل إنسان قادر أن يكون الشرارة الأولى في محيطه: في بيته، في عمله، في فكره. البداية ليست في الشارع أو المنبر، بل في قرار داخلي بأن نعيش وفق منطقٍ نؤمن به، لا وفق ما يُملى علينا. وعندما يقرر كل منا أن يبدأ بنفسه، سيولد وعيٌ جمعي جديد، قوامه التفكير لا التلقين.
في النهاية، نحن نستحق الأفضل.
نستحق أن نرى مجتمعاتنا تتحرر من ثقل الماضي، وتنفتح على آفاق المستقبل بعقلٍ ناقد وقلبٍ حي. لا نحتاج معجزاتٍ كي ننهض، بل إرادة حقيقية، وشجاعة في مواجهة الذات، وإيمان بأن العقل ليس ترفًا بل ضرورة وجود.
فلنكن نحن البداية...
ولنجعل من التفكير فعلَ مقاومةٍ ضد الركود.


0 التعليقات