الرضا شئ من الرومانسية

الرضا
شئ من الرومانسية 
==========

الرضا: همس الروح وروح الحياة

آهٍ من ذاك الرضا الهادئ الناعم، الذي يجعل الخدر يسري في روحك، فتخرج هنا من قيود الزمان والمكان، لتنعم به مطلقًا، وكأن الكون كله ينسدل ستائرَه ليُفسح للسكينة طريقًا إلى أعماقك.

وحين يهل هذا الرضا، يتملّكني الصمت للحظة، حتى أستفيق من رحيق الشهد الصافي الذي يغمرني، فلا يبقى للكلمات حاجة ولا للتفكير مجال. عندها فقط، أكون قادرًا على العطاء المستحقّ لمن ملكتني. فالرضا حالة تُحسّ، ليس كلمات تُقال؛ إنه شعورٌ عميقٌ يسكن الوجدان.

إنه حالةٌ لا تنتظرها ولا تتوقعها، بل هو هبة من الله، ثم منها، إنها الحياة. شيءٌ من تلك الرومانسية الصافية، يكفي ليُصلح ما تبقى من الحياة، ويُعيد للقلب نبضَه الأول، وللروح سكينتها الأزلية.

الرضا: أن تُصغي لصوتها الناعم بكل مسامك، لتنهل منه ما يُشبع روحك، كما تنهل الأرض العطشى من غيث السماء بعد طول جدب. الرضا هو أن تلملم المبعثر منك بسبب الشوق والاشتياق، حتى تعود واحدًا متكاملًا، كأن روحك كانت ألف شتات فأصبحت بها كيانًا موحدًا لا يعرف الانقسام. نعم، الرضا هي الحياة ذاتها.

هو همسٌ رقيق ببضع كلمات، لكنها تلخص الأبجدية والرومانسية كلها، لأن الهامسة هي... هي الحياة ذاتها. الرضا حالة تجعلك تسمع الهارموني الصادح من روحها وقلبها وعقلها وكيانها، كأنها معزوفة أبدية تُعزف لأجلك وحدك، فتصمت الدنيا لتستمع.

إنه أن تضيع الحروف من ذاكرتك، وتتلاشى الكلمات والمعاني، وتصبح الابتسامة الرائقة على وجهك هي الرد الوحيد لكل هذا الجمال، ابتسامة تحمل في طياتها كل ما عجزت عنه اللغات والأشعار، وتنطق بما لا يستطيع اللسان قوله.


حين تعصاني الحروف

حروفي تعصاني حين أريد أن أكتب اسمكِ. نظرتُ لها متسائلًا: لِمَ هذا العصيان؟ فردت جميعًا بصوتٍ كُورالي حزين: "إن وهج اسمها يحرقنا!". فصمتُّ، وقلتُ لنفسي: ماذا أفعل أنا، وأنا أحتضن كل هذا النور بكل وهجه، وهو نورٌ لا تطيقه الأبجدية، ولا تحمله المعاني، يملأ الوجود بأسره؟

قلتُ: "أحبكِ". قالت: "المحبّون ما أكثرهم". قلتُ: "أعشقكِ". قالت: "العشاق دوامًا هائمون". قلتُ: "ما يُرضيكِ؟" قالت: "أن أمتلكك". قلتُ لها: "كيف تملكينني وأنا لا أملك من نفسي إلا قلبًا يحبكِ؟" قالت: "آخذه". قلتُ: "وكيف تحبيني؟" قالت: "أحبكِ بقلبين؛ قلبكِ وقلبي، فأنت تستحق أن تعشقك كل القلوب". فردت عيوني بدمع الخجل، وكل قطرة دمعة كانت قصة عشقٍ أزلية لا تنتهي، تُروى بصمت الروح.

رحلت، ولا تعلم أن برحيلها احتلت الخيال أكثر وأكثر، فأصبح غيابها حضورًا طاغيًا لا يمحوه الزمن، ولا تُطويه المسافات، بل يزداد تجليًا في كل تفاصيل الروح.


حكمة العشق وجمال البُعد

تذكّر دائمًا: من يملك قلبه وعقله، ملك سعادته. ومن فرّط فيهما تحت زعم المحبة والحب، فلا يلومنّ إلا نفسه، فالحب الحقُّ يزيد الروح قوةً وثباتًا لا ضعفًا أو وهنًا.

أبعدي أكثر، ففي بعدكِ صفاء ورونق شديد البهاء، كالقمر يزداد جمالًا وتلألؤًا كلما علا في سمائه، وانزوى عن الأعين القريبة ليُشِع نورًا من بعيد. في محراب طيفكِ، أصمت. كيف لي أن أتحدث والجمال يلفّني من كل جانب؟ إن صمتي أمام بهاءكِ هو أبلغُ الكلام، وأصدقُ العبارات، وأعمقُ الاعترافات.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.