نحن أمام عمل محوره الشر، ولكن الإبداع الذي به كان بحب غير عادي، إخلاصًا للفكرة من الكاتب المبدع وفريق التنفيذ.
فالكاتب عمد إلى ضفيرة تنطق بجمال شديد العذوبة بأسلوب السهل الممتنع، ودون تقعر على المشاهد العادي. وتتكون الضفيرة من عدة خصلات:
الخصلة الأولى:
الأخت التي تمثل (سمة الجهل العام)، والتي لم تتزوج حتى تقوم بخدمة الأب المريض، والتي تمثل الشر في أنصع صورة بسبب المال – وهو قتل الأب.
الخصلة الثانية:
الأخ والذي يمثل (الإيمان الشكلي) دون ترسخ للقيم السامية للدين بداخله، وخادم مسجد، ولكن عند أول منعطف من الحياة نجده يعمل قوّادًا.
الخصلة الثالثة:
الأخت التي تمثل (الكبر) الخفي وزوجها العقيم، والتي تنطلق من هذا الكبر نحو الكفر الخفي والشرك الأصغر (الشعوذة).
الخصلة الرابعة:
الأخت المتدينة صاحبة الضمير الحي ظاهريًا، والرافضة لشرور الأخوات، ولكن يحركها (الأنا العليا) والتي ترى نفسها الأفضل بسبب العلم، ولكن كل ذلك ينهار ذاتيًا مع تعرجات الحياة.
الخصلة الخامسة:
الأخ الذي يمثل (قيمة الوهم) بالرجولة الزائفة المنسحق داخليًا أمام ضغوط الحياة، والذي انتهى به الأمر إلى عاهر يبيع المني الخاص به.
الخصلة السادسة:
الأخ الذي (لا يعرف قيمة الحياة) ويتصور أنه بلطجي ويمثل الشر البسيط، والذي يرى الشر الحقيقي بسبب العادات والتقاليد البالية.
الخصلة السابعة:
الأخت التي تمثل (سمة التواكل) والارتكان إلى الشحاذة مع وجود مهنة معها.
وكانت الشريطة الملونة في الضفيرة هي زميلة السجن للأخت الأولى، وهي تمثل العلم الفاسد الذي يسيطر على كافة الشرور ليصب في صالحه فقط.
تنطلق القصة من قتل الأولاد السبع للأب المريض منذ 6 سنوات بعد معرفتهم بوجود 28 مليون جنيه في البنك كميراث لهم، وتم القبض على الأخت الأولى وسجنها، وتفرق الأخوات إلى محافظات شتى. ولكن الكاتب المبدع جعل كل واحد منهم أول شيء يفعله عندما يهبط إلى المحافظة التي ذهب إليها أن يذهب إلى المسجد المشهور بها (الذي به ضريح): السويس (الغريب)، طنطا (السيد البدوي)، الإسكندرية (المرسى أبو العباس)، كفر الشيخ (إبراهيم الدسوقي)، أسيوط (جلال السيوطي)، قنا (عبدالرحيم القناوي).
أما الأخت الأولى وزميلتها في السجن فقد أقاموا ضريحًا للأب، وأصبح وليًا عند أهل الحارة بسبب الجهل العام والإيمان الهش عند المعظم.
الضريح في المسلسل يمثل قيمة الاعتراف بالخطيئة وتقديم النذور في صندوق النذور كنوع من التطهر من الخطايا، وهي فكرة شديدة الخطورة لأن الاعتراف أحد الأسرار الكنيسية ولا يوجد في الإسلام أي شيء من هذا القبيل. وهذا ما يجعل الإسلام الموجود الآن هو ما أسميه التدين المغشوش أو المنقوص أو العلماني، وهو يأخذ من الإسلام الحقيقي بعض الشكليات دون معرفة حقيقية بقيم الإسلام السامية التي تنظم حياة الإنسان المادية والروحية في آن واحد كفرد ومجتمع دون أن يجور أحد على الآخر.
فالمسلسل الضفيرة المكونة من الجهل والإيمان الشكلي والكبر والأنا العليا والوهم وفقدان معنى الحياة والتواكل، ويدير كل هذا العلم الفاسد الذي جعل الشر مطية للأطماع ورغبات كل أدعياء الإيمان والإسلام، لأن الكل أصبح له معبوده الخاص وهو المال فقط. وفي سبيل الحصول على هذا المال لا يتورع عن أي فعل مهما كان به من شر سواء القتل أو شعوذة أو قوادة أو اللعب في الأنساب أو تقويض للمجتمع من أساسه. وهو أحد أسباب انهيار المجتمع أخلاقيًا وبالتالي انهيار كل شيء.
المبدعون في العمل:
أولًا: الأستاذ محمد أمين راضي الذي كتب بإخلاص نادر للفكرة، وخاصة رسم الشخصيات التي تمثل القيم السلبية دون حتى أن تدري وكأنها طبيعة الأمور. ثانيًا: المخرج خالد مرعي الذي كان شديد المهارة سواء في اختيار فريق العمل أو أماكن التصوير، وأما الإخراج ذاته فكان سلسًا للغاية لخدمة الفكرة دون تزايد، مما يدل على أنه يعرف قيمة الفكرة وأن الإخراج الحقيقي تجسيدها للمتلقي بطريقة سلسة بحيث تتغلغل داخله. ثالثًا: رانيا يوسف التي أراها ربما أول مرة تمثل تمثيلًا حقيقيًا دون اللجوء إلى إغراء، لأنها هنا بلا مكياج وملابس رثة وكانت موفقة للغاية. رابعًا: هنا شيحة التي أراها مفاجأة العمل لأنها كانت رائعة للغاية سواء على المستوى الخارجي بالملابس وطريقة لبسها للعباية والخمار خصوصًا، والمستوى الداخلي كانت هي الشخصية فلم نلمح هنا شيحة لحظة واحدة وكانت مبدعة جدًا. خامسًا: العملاقة سوسن بدر التي كانت بمثابة المايسترو لفريق التمثيل، تمثيل هادئ واثق راسخ وتفهم لطبيعة الدور الذي تقلب عدة مرات وكانت هي على مستوى الحدث.
الموسيقى للمبدع هشام نزيه كانت بطلًا حقيقيًا في المسلسل وليس مجرد حليات مكملة للصورة، ولكنها تراها بطلًا لترسيخ المعاني المراد إرسالها وكانت التتر منتهى الروعة خاصة أن الكلمات للقطب الصوفي محيي الدين بن عربي وكان اللحن شديد الخصوصية والروعة وهي كالآتي:
فلله قوم في الفراديس مذ ابت قلوبهم ان تسكن الجو و السما
ففي العجي للسر الذي صدعت له رعود اللظي في السفل من ظهير العجي
و ابرق برق في نواحيه ساطعا يجلله من باطن الرجل في الشوي
فاول صوت كان منه بانفه فشمته فاستوجب الحمد و الثناء
و فاجأه وحي من السماء من الله امرٌ و كان لهما كان في نفسه فاكتمي
فيا طاعتي لو كنتِ كنتُ مقربا و معصيتي لولاكي ما كنت مجتبي
فما العلم الا في الخلاف و سره و ما النور الا في مخالفة النهي
ملحوظة:
المسلسل لامس موضوع النقاب الذي يستخدم من قبل الغير مؤمنين به كستار لأفعال الشرور وكان موفقًا في عرض ذلك.
الأفكار الرئيسية التي تناولناها:
- تحليل عمق دوافع الشر لدى الشخصيات.
- تأثير تفكك الروابط الأسرية على مسار الشخصيات.
- مسؤولية المجتمع عن الانحدار الأخلاقي المصور.
- التساؤل عن رمزية اسم العمل الفني.
- تقييم حضور أو غياب شخصيات تمثل الخير.
- استخلاص الرسالة النهائية التي يوجهها العمل.
- ملاحظة تفاعل الجمهور مع العمل.
- وضع العمل في سياق فني مقارن.
- تحليل استخدام العناصر البصرية والسمعية.
- دلالة اختيار كلمات تتر المسلسل.
- تناول العمل لقضية استغلال الرموز الدينية (النقاب).