فلسفة فى الحب

فلسفة فى الحب
=========

أنغام الشوق في معبد العشق

لولا وخزات الشوق الحادة، ما ارتشفنا نشوة الوصال الحلوة في معبد العشق. إنه قانون القلب المعذب، فبين لهيب الانتظار وارتواء اللقاء، تتشكل أعمق معاني الهيام.

في دروب الحياة المتعرجة، يظل يقين يتردد في الأعماق: هناك دومًا من يستحق أن تحتل روحه مداركنا، من يقدر نبضات قلوبنا حق قدرها. وبين قلوب تتوق لسماع همسة حب تروي ظمأها، وأخرى تهرب مذعورة من فيض المشاعر المتدفقة كشلال، تتجلى طبيعة البشر المتباينة في استقبال أسمى الغايات.

تتعلق أرواحنا بخيوط الأمل، ترنو إلى لحظة لقاء تختزل الكون في بؤبؤ عين. لكن عين المحبوب قد تلهو في عوالم أخرى، تاركة خلفها قلوبًا أسيرة الانتظار الصامت. فالحب عند البعض ليس مجرد همسة عابرة، بل رحلة روحية تستدعي أحيانًا دموعًا تروي تربة الروح العطشى.

يا ليت لعشاق هذا العالم ألف ألف عين، لتذرف سيلًا من الدمع الصادق يصل إلى قلب المعشوق الغافل، ليبلل جفونه وينذره بوجع الانتظار. ويا ليت لروحي ألف ألف نبرة حنين، لتطلق أنينًا يصل صداه إلى أبعد مدى، عله يوقظ ضمير الغياب.

أبكيك في صمت مطبق، لأن فكرة البعد، حتى عن خيالك العابر، باتت مستحيلة التحمل. أبكي منك وجعًا، ولكني أخفي دمعي عنك، خشية أن تخيم نظرة حزن على صفحة عينيك. ستظن أني أشكو مرارة البعد منك، وهذا أيضًا أخشاه، فقلبي يرتجف خوفًا أن يمسك قلبك شيء من جفاء الأيام وتقلباتها.

أخاف عليك منك، من قسوة قد تحملها على نفسك، وأغار عليك مني، من لحظة قد يشغلك فيها عني شاغل.

دعني أعترف اعترافًا قد يبدو للوهلة الأولى نكرانًا: إنني لا أحبك بالمعنى التقليدي للكلمة، ولا أعشقك كما صورته الروايات. ليس بي وله بالصورة المعهودة. بل إن ما يسكنني تجاهك أعمق وأشمل، حالة روحية فريدة لا يمكن اختزالها في مسمى تقليدي، أنت وحدك عنوانها ومعناها.

سأكفكف دموعي الحارقة، لعل طيفك العابر يزورني، فلا يرى في عيوني سوى صورتك المقدسة. قد يتصور البعض أن حروفي هذه مرثية لغائب، كلا وألف كلا! إنها رسائل صامتة أكتبها إليك، رجاء أن تنير سطورها يومًا ببريق عينيك.

وإن أردت المبالغة في وصف ما يعتمل في داخلي، سأختصر الكون كله في كلمة واحدة: اسمك.

في زمن طغت فيه السطحية والعبث على العلاقات، يصبح الحفاظ على حب حقيقي بطولة نادرة. فالحب في صورته الأولية قد يكون نوعًا من الامتلاك والرغبة في القرب، لكن العشق الحقيقي يسمو ليصبح تضحية وعطاء بلا حدود.

كم من مدعٍ للحب يملأون دروب الحياة، غافلين عن أن الحب فن رفيع لا يتقنه إلا من عرفوا ذواتهم أولًا معرفة عميقة، وتلك هي قمة الصعوبة. فقبل أن نهب قلوبنا، علينا أن نسأل: من نحن حقًا؟

من أسمى فنون الحب، القدرة على التعبير عنه بصدق وعمق. وهذا الطريق لا يسلكه إلا القليلون، لأن الكلمة التي تُهدى للحبيب يجب أن تُوزن بميزان من ماس، تحمل في طياتها أصدق المشاعر وأجمل المعاني.

الحب الحقيقي هو أن تمنح بلا انتظار لرد العطاء، فربما يكون جمال روح حبيبك أسمى من أن يقدر على مكافأة عطائك. وفي جوهر الحب الخالص، لا بد أن نعشق عيوب الحبيب بقدر ما نعشق محاسنه، لأن المميزات يراها الجميع، أما عشق العيوب فهو دليل على تغلغل الحب إلى أعماق الروح.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.