يوم الكشف... هل نملك الشجاعة لمواجهة الحقائق كاملة؟

  • يوم الكشف... هل نملك الشجاعة لمواجهة الحقائق كاملة؟
  • ===============



    نحن أمام يوم تاريخي بكل المقاييس، لأنه يوم كشف حقائق طُمست عن عمد وقصد طوال فترات طويلة جداً، ربما تزيد عن نصف قرن أو أكثر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من المستفيد من إبقاء هذه الحقائق في الظل؟ وما هي الآليات التي استُخدمت في طمسها على مدار العقود الماضية؟ هل كانت الرقابة الصارمة، أم التضليل الممنهج عبر وسائل الإعلام، أم التلاعب بالقوانين واللوائح؟ ولا يمكن إغفال دور العامل الخارجي في هذا السياق؛ فقد تكون لقوى إقليمية ودولية مصالح في دعم أو تقويض أنظمة معينة، أو في توجيه مسارات سياسية واقتصادية أدت إلى هذه الأوضاع. كما أن فهم مصالح هذه القوى وتفاعلها مع البنية البيروقراطية والنخبة والقوى السياسية المختلفة يكتسب أهمية خاصة.

    - الحقيقة التي كُشفت في هذا اليوم هي أن الدولة المصرية دولة البيروقراطية العريقة، والتي تشبعت عن بكرة أبيها بالعلمانية بكل تفاصيلها عن طريق القوانين واللوائح الصادرة من السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي جعلت القائمين عليها علمانيين حتى دون وعي منهم. وولاء هذه البيروقراطية، في الغالب، يكون للمؤسسة وهيكلها المستقر، بغض النظر عن النظام الحاكم، طالما لا تمس حقوقهم المادية والمعنوية. وهنا يجب التمييز بين العلمانية كمبدأ لفصل الدين عن الدولة، وبين تطبيقها العملي في إدارة شؤون البلاد. فهل نحن أمام علمانية أيديولوجية راسخة، أم مجرد فصل وظيفي تطور بمرور الوقت؟ ويمكن ملاحظة مظاهر ذلك في العديد من القوانين المنظمة للحياة المدنية والتجارية وغيرها. وجذور هذه البنية البيروقراطية قد تمتد إلى ما هو أبعد من الخمسين عاماً المذكورة، حيث ساهمت سياقات تاريخية أقدم في تشكيلها وطريقة عمل النخبة وعلاقة الدولة بالمجتمع، وتطورت هذه الديناميكيات عبر المراحل التاريخية المختلفة لمصر الحديثة.

    - الحقيقة التي كُشفت أيضاً في هذا اليوم أن القائمين على البيروقراطية ليسوا مجرد نخبة قليلة تتحلق حول السلطة في القمة، بل هي طبقة ممتدة الجذور وكثيفة العدد، ربما تقدر بالملايين، وليس كما يتصور البعض أنها مجرد أفراد معدودين. وهذا الحجم الهائل يجعل فهم تأثيرها في معادلة الحكم أكثر تعقيداً، ويطرح تساؤلات حول مدى استقلاليتها وقدرتها على التأثير في الأنظمة المتعاقبة. وتتوزع آثار هذه "الحقيقة" بشكل متفاوت على مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية في مصر، حيث قد تتحمل فئات معينة العبء الأكبر من هذه الأوضاع، وقد تلعب هذه التفاوتات دوراً في استمرار أو تفاقم بعض هذه "الحقائق".

    - الحقيقة التي كُشفت أيضاً أن معظم النخبة، باستثناء قلة قليلة، تبدو في موقف مناوئ للإنسان، وذلك بعد انكشاف ما يوصف بأنه زيف مصطنع تحت شعارات حقوق الإنسان وحق المعرفة والتنظيرات التي استهلكت جهوداً هائلة. ومع ذلك، يجب التساؤل: هل الخلاف هنا حول جوهر هذه المفاهيم، أم حول آليات تطبيقها وأولوياتها في سياق محدد؟ كما أن للثقافة والقيم السائدة في المجتمع المصري تأثيراً في تشكيل هذه "الحقيقة"، حيث قد تساهم قيم معينة في استمرار هذه الأوضاع.

    - الحقيقة التي كُشفت أيضاً أنه على الرغم من الانفتاح الثقافي والتدفق الهائل للمعلومات، فإن نسبة كبيرة من الشعب لا تزال تفتقر إلى أبسط المعارف السياسية، فما بالك بفهم تعقيدات السياسة المغلفة بالثقافة. وقد يعزى ذلك إلى طبيعة المحتوى الإعلامي والثقافي السائد، أو إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تحد من فرص الوصول إلى المعرفة واستيعابها، أو حتى إلى دور النظام التعليمي في تعزيز الوعي السياسي. ويمكن للتغييرات الثقافية والقيمية أن تساهم في تغيير هذه "الحقيقة".

    - الحقيقة التي كُشفت أيضاً أن مصر ليست مجرد دولة عادية، بل دولة ذات أهمية قصوى وتلعب دوراً محورياً في السياسة الإقليمية والدولية، وهو دور له محدداته وقيوده، ويتطلب توازناً بين الطموحات والقدرات، كما يتأثر بنظرة اللاعبين الآخرين في الساحة الدولية.

    - الحقيقة التي كُشفت أيضاً في هذا اليوم أن المعارضة، أو من يدعون أنهم كذلك، يبدون في حالة من العجز الفكري والعملي، مكتفين في كثير من الأحيان بالدعاءات التي لا يصاحبها عمل ملموس، وهو ما يذكر بسلوكيات رمزية قد لا تحدث تغييراً حقيقياً. ولتجاوز هذه الحالة، قد يكون من الضروري إعادة تقييم استراتيجياتها وأيديولوجياتها، واستكشاف سبل جديدة للتأثير الفعال. وفي مواجهة هذه "الحقائق"، تبرز أهمية تحديد القوى الاجتماعية أو السياسية القادرة على إحداث التغيير، واستكشاف الأدوات المتاحة لذلك، مع إدراك المخاطر والتحديات المحتملة والتكلفة التي قد تصاحب هذا التحول. كما تقع مسؤولية فردية وجماعية على عاتق كل فرد في المجتمع، وخاصة النخب المثقفة والإعلامية، في مواجهة هذه "الحقائق" والدعوة إلى التغيير.

    يوم 3 يوليو، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، أراه يوماً فاصلاً في تاريخ مصر الحديثة، لأنه كان محطة لكشف بعض الحقائق التي طالما أُخفيت. وفي ضوء هذه الحقائق، يصبح السؤال: ما هي الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها لبناء مستقبل أفضل؟ وكيف يمكن تحويل هذا الوعي إلى فعل إيجابي يخدم مصلحة الوطن والمواطنين؟






    التعليقات
    0 التعليقات

    ليست هناك تعليقات :

    إرسال تعليق

    مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

    يتم التشغيل بواسطة Blogger.