إزاحة الإيمان والحداثة الصامتة
من منطلق تحديد وترسيخ المصطلحات التي تجعل الأفكار المراد إرسالها ذات جذور داخل المتلقي، سنقوم بتعريف العنوان أولًا:
إِزَاحة: (اسم) مصدر أَزَاحَ.
- التعريف اللغوي: عَمِلَ عَلَى إِزَاحَتِهِ مِنْ مَكَانِهِ: إِبْعَادِهِ، تَنْحِيَتِهِ. رَفَضَتْ إِزَاحَةَ اللِّثَامِ عَنْ وَجْهِهَا: إِزَالَتَهُ.
الإيمان: مفهومه وأبعاده
لكلمة "إيمان" أكثر من استخدام، ومعناها قريب من معنى "الاعتقاد" في إطار الشك والظن، و"الثقة" والتأكد تقريبًا من فكرة ما. لكن بخلاف هذه المصطلحات، فإن كلمة "إيمان" تشير إلى علاقة متعدية للشخص بدل أن تكون داخلية فقط.
للإيمان معنى فكري مرتبط بوجود الإنسان على الأرض من حيث التطلع لتقدم البشرية نحو الأفضل، وذلك من خلال الارتباط بمجموعة من المبادئ التي تسعى لتوجيه تصرفات الفرد والجماعة ضمن المجتمعات البشرية المختلفة للوصول إلى الرقي الحضاري للإنسان والابتعاد عن التصرفات
الإيمان في الدين الإسلامي: أصل العقيدة
في الدين الإسلامي، الإيمان هو أصل العقيدة. وقد فُسر الإيمان بمعنى التصديق، ومعناه: «إقبال القلب وإذعانه لما علم من الضروريات أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم». وهو تصديق محله القلب، فلا يعلم حقيقته إلا الله. وأركان الإيمان ستة هي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. هذه هي أساسيات الإيمان، والمعنى الجامع له هو: «التصديق الجازم بكل ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله، مع التسليم به والقبول والإيقان»، فيشمل أيضًا: الإيمان بالغيب كالجنة والنار والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط وغير ذلك.
الفرق بين الإسلام والإيمان وأثرهما:
الفرق بين الإسلام والإيمان يكمن في أن الإسلام قول وعمل ظاهر، بينما الإيمان تصديق غير ظاهر فمحله القلب. فمن نطق بالشهادتين فهو مسلم، ويُقال له مؤمن بحسب الظاهر إذ لا يعلم حقيقة إيمانه إلا الله. والإيمان شرط لصحة العمل عند الله، فمن عمل عملًا صالحًا وهو غير مؤمن بالله؛ فلا يقبل الله منه ذلك، أما في الأحكام الدنيوية فيُقبل منه الظاهر وحسابه على الله. الإيمان يدفع صاحبه للعمل الصالح، لكن العمل الصالح ليس شرطًا لصحة الإيمان. وبالمقابل، فالمعاصي لا تسلب الإيمان بالكلية بل ينقص الإيمان بالذنوب، ويزداد بالطاعات والأعمال الصالحة، وتدبر آيات الله الكونية والقرآنية المؤدية إلى الإيمان بالخالق المدبر والتصديق بوجوده.
الحداثة: تعريفها وتطورها
تشمل الحداثة مجموعة من التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى اعتبار تلك التغييرات عصرية. يتناول الجدل حول الحداثة هذه التغييرات التي يُرى أنها بدأت في أوروبا في أواخر القرن الخامس عشر أو بداية القرن السادس عشر.
يؤرخ بعض المفكرين بداية الحداثة بعام 1436، مع اختراع غوتنبرغ للطابعة المتحركة. ويرى آخرون أنها تبدأ في العام 1520 مع الثورة اللوثرية ضد سلطة الكنيسة. وتتقدم بها مجموعة أخرى إلى العام 1648 مع نهاية حرب الثلاثين عامًا، وتربطها مجموعة خامسة بالثورة الفرنسية عام 1789 أو الثورة الأمريكية عام 1776. بينما يظن قلة من المفكرين أنها لم تبدأ حتى عام 1895 مع كتاب فرويد "تفسير الأحلام". وقد بدأت حركة الحداثة (modernism) في الفنون والآداب.
تعريف الدكتور عبد الوهاب المسيري للحداثة:
قام العلامة الدكتور عبد الوهاب المسيري بتبسيط تعريف الحداثة للعامة قائلًا: "الحداثة هي فهم الواقع المعاش عن طريق العقل والتكنولوجيا فقط".
الحداثة وقيمها النقدية:
من خلال التعريفات السابقة، نجد أن الحداثة هي قيم تستند في ملخصها إلى فكرة الحرية الفردية المستندة إلى أفكار تراكمية من عصر النهضة (كما يُزعم) الأوروبي، والذي كان ردًا على تسلط الكنيسة الكاثوليكية وصكوك الغفران في العصور الغابرة، مع تطورات هائلة على كافة المستويات مما جعل الإنسان الغربي يمجد ذاته، حتى ولو وهمًا، تحت شعارات لا وجود لها في أرض الواقع.
وهم الحرية في الغرب:
مثال "الحرية": الكل يظن في الشرق والغرب أن الحرية قيمة عليا في الغرب، وأن حقوق الإنسان والحيوان كالماء والهواء. ولكن الأحداث كلها تكذب هذا الوهم، وما الحرب العالمية الأولى والثانية خير دليل على احتقار الإنسان وحياته. وأيضًا الرأسمالية المتوحشة التي تنهش الإنسان كله وتجعله حيوانًا استهلاكيًا ورقمًا من الأرقام في جداول الدولة، تُخرجه عندما تريده لمصلحة أصحاب الياقات البيضاء.
الإنسان الغربي عبد من العبيد، ولكن مُغلف بأوراق ملونة زاهية فخمة تبدو للبلهاء أنها الجنة المفقودة، لأنه عبد للمال وعبد للأنظمة التي تترك له حرية الاستهلاك والجنس فقط. وإذا طالب بأي شيء، تظهر الكلمة السحرية "الأمن القومي" التي تُخرس كل الألسنة، وما كذب توني بلير للدخول في حرب العراق ببعيد. وأخيرًا، السترات الصفراء في دولة الحرية المزعومة فرنسا خير شاهد على ذلك.
إزاحة الإيمان وظهور الحداثة الصامتة في عالمنا العربي والإسلامي:
نرجع لعنوان المقال: "إزاحة الإيمان والحداثة الصامتة" لتفصيل المراد منه، وهو أن الإنسان في وطننا العربي والإسلامي قام دون دراية منه بإزاحة الإيمان عن طريق نسف القيم الإسلامية الحقيقية. لأن الإيمان في أبسط تعريف له هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، ولكن ما نراه على أرض الواقع يؤكد أنه لا يوجد أي إيمان على الإطلاق، لأن الدين المعاملة. لذا، تم إزاحة الإيمان من الحياة العملية على مستوى التعاملات والفكر. وهنا ظهرت قيم الحداثة ومشتقاتها على أرض الواقع دون معرفة المعظم أي شيء عن الحداثة، لذا أطلقت عليها "الحداثة الصامتة".