الرجوع الى الله بوصلة الروح في عواصف الحياة.

 الرجوع الى الله

  • بوصلة الروح في عواصف الحياة.
  • =========


     إلى أي دين يلجأ الإنسان عند المحن والكوارث؟ وأي إيمان هذا الذي نتحدث عنه في زمن طغى فيه الفساد؟

    إن الدين الحق الذي يلجأ إليه الإنسان في كل حين، وخاصة عند الشدائد، ليس دين التلفظ المجرد بالآيات والأحاديث، ولا دين مشايخ الفضائيات الذين قد يشوب أقوالهم وأفعالهم ما يشوب، ولا هو دين البدع والخرافات التي تلتصق زورًا بالإسلام. إنه دين خالص لله، مبني على الإيمان الحقيقي الذي يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية، الإيمان الذي يثمر حبًا في الله وبغضًا في الله، حبًا للمؤمنين الصادقين كما يحب المرء لنفسه. هذا الإيمان الحي يدفع صاحبه إلى العمل والإصلاح، لا إلى التقاعس واليأس عند نزول البلاء.

    الحب الذي تتحدث عنه الأحاديث، والذي هو علامة من علامات الإيمان، قد ضعف وتوارى في كثير من جوانب حياتنا. لقد أصبح الفساد مستشريًا حتى في أماكن يفترض أن تكون منارات للهدى والصلاح. وصدقت فيما ذكرت عن خطبة الجمعة التي قد تحولت في بعض الأحيان إلى منابر للدعاية والتوجيه السياسي بعيدة عن جوهر الدين وروحانيته. غياب هذا الحب الصادق أدى إلى تفكك الروابط بين المؤمنين وإلى انعدام الثقة في كثير من المؤسسات الدينية.

    لذلك، فإن الفرار إلى الله الذي أمرنا به في قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (الذاريات: 50)، ليس مجرد ترديد كلمات أو التظاهر بالالتزام. إنه فرار حقيقي بالقلب والجوارح، فرار بالعمل الصالح، وبالتوبة الصادقة، وبالإقبال على الله بصدق وإخلاص. إنه قراءة القرآن بتدبر وفهم لمعانيه وتطبيق لأوامره ونواهيه. هذا الفرار العملي يتجلى في السعي الجاد لتغيير الواقع الفاسد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

    صدق الله العظيم إذ قال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم: 41). هذه المحن والكوارث قد تكون بالفعل نعمة من الله، ولكنها نعمة للمؤمنين الذين يعودون إليه حقًا، الذين يتوبون ويصلحون ما أفسدوا، وليس للمدعين الذين يتسترون بعباءة الدين زورًا. إن الابتلاءات هي بمثابة اختبار وتمحيص، تكشف الصادق من الكاذب، والمصلح من المفسد.

    إن الرجوع إلى الله حق الرجوع يتطلب منا جميعًا محاسبة النفس، وتطهير القلب من أدران الدنيا، والاجتهاد في طاعة الله سرًا وعلنًا. إنه يتطلب منا أن نكون صادقين مع الله ومع أنفسنا، وأن نسعى جاهدين لنشر الخير والعدل والإحسان في مجتمعاتنا. هذا الرجوع الصادق يقتضي نبذ الفرقة والتحزب، والاجتماع على كلمة سواء، والتعاون على البر والتقوى.

    نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل، وأن يعيننا على الرجوع إليه توبة نصوحًا.



    التعليقات
    0 التعليقات

    ليست هناك تعليقات :

    إرسال تعليق

    مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

    يتم التشغيل بواسطة Blogger.