أشباه الأشياء... وغياب الجوهر في واقعنا المصري
مقدمة تعريفية:
في زمنٍ تتكاثر فيه المظاهر وتقل فيه الجواهر، تُطرح أسئلة مؤلمة حول ما نملكه فعليًا كمجتمع: هل نمتلك مؤسسات حقيقية أم مجرد أسماء؟ هل نحترم القوانين أم نتحايل عليها؟ وهل نُبدع فعلًا أم نُسمّي الانفلات إبداعًا؟ في هذا المقال، يسلط الكاتب الضوء على التناقضات المؤلمة في المشهد المصري من خلال تحليل صريح، ومثال واقعي يوضح الفرق بين الشكل والمضمون، ويقترح طريقًا للخلاص يبدأ من الداخل: من القراءة والمعرفة.
نص المقال:
نملك في بلدنا – مصر – كل ما هو موجود في العالم، أيًّا كان نوعه أو قيمته. لكننا نمتلكه في "الشكل" فقط، لا في المضمون. هذا الأمر لا ينطبق على جانب واحد من الحياة، بل يكاد يشمل كل مناحيها.
لدينا قوانين ودساتير، لكن ما نفتقده حقًا هو احترام هذه القوانين، وتطبيقها بعدالة. لدينا مؤسسات وهياكل رسمية، ولكنها كثيرًا ما تُفرغ من محتواها، وتُستخدم لتحقيق مصالح ضيقة، لا للصالح العام. لدينا رياضات، لكننا لا نعرف كيف نصنع بطلاً. لأن صناعة البطل تحتاج إلى رؤية تحترم الإنسان، تقدر موهبته وتدعمه، بينما نحن نُفرّغ الإنسان من قيمته إلا إذا كان "سيدًا" أو محسوبًا على السلطة.
ولعل المثال الأوضح على ذلك هو اللاعب محمد صلاح. هل كان سيصل إلى ما وصل إليه لو بقي في نادي المقاولون العرب؟ أم أن ما جعله ينافس على لقب أفضل لاعب في العالم هو خروجه من منظومة لا تُنتج الأبطال، إلى بيئة تُنصت للموهبة وتمنحها فرصتها؟ لقد خرج إلى فيورنتينا، ثم إلى تشيلسي، فليفربول، فصار أيقونة عالمية.
في الفنون، أيضًا، لا نفتقر إلى الوسائل، بل إلى الروح. في حين يبدع العالم في الرسم، والموسيقى، والسينما، والمسرح... نجد أن "إبداعنا" غالبًا ما يُختزل في التجاوزات، وفي التمرد المجوف على الدين والمجتمع، ويُسمى هذا "حرية تعبير"، بينما هو بريء من الإبداع. الإبداع الحق هو المسؤولية قبل الجرأة، وهو التجديد دون هدم الأساس.
قد يقول قائل إنني أُطلق الأحكام بسوداوية، وأرى الواقع من خلف نظارات سوداء. لكني أسأله بصدق: دلّني على أحمد شوقي هذا الجيل، أو العقاد، أو مصطفى أمين، أو صلاح أبو سيف؟ من يعادلهم الآن في الفكر أو الفن أو النزاهة؟ في المقابل، تتصدر الساحة أسماء مثل البوشي، ممدوح إسماعيل، حيدر حيدر، أسامة سرايا، محمد إبراهيم، وسبقهم سمير رجب، إبراهيم نافع، وإبراهيم سعدة... هل هؤلاء هم من يمثلون زمننا؟
في السينما، نُكرّم "الزعيم"، لا الرائد، ونعلي من قيمة الظاهرة لا القيمة.
ولكن، يبقى السؤال: ما الحل؟
أقولها بطمأنينة ويقين: الحل هو القراءة والمعرفة. لأن بهما فقط نُعيد اكتشاف أنفسنا، ونستعيد إنسانيتنا، ونمتلك القدرة على التمييز بين الغث والثمين. بالمعرفة، نعرف قدرنا، فنرفض "أشباه الأشياء"، ولا نرضى بها بديلًا عن الحقائق الأصيلة.