دعوة إلى التميز وتحرير الذات من وهم القطيع
لابد لأي كاتب، بل لأي إنسان يسعى للمعنى، أن يقدم شيئًا جديدًا ومختلفًا؛ وإلا أصبح مجرد رقم باهت في قطيع يغرق في السخافة والتكرار.
من هذا المنطلق، ننطلق في محاولة لإمتاع الآخرين بالكشف عن المسكوت عنه في دواخلهم، تلك الأفكار والرغبات التي يخشون البوح بها، سواء لعجز في التعبير، أو لجهل بطبيعتها، أو لخوف من نظرة الآخرين. إن كبت هذا "المسكوت عنه" غالبًا ما يؤدي إلى شعور بالاغتراب وتفشي النفاق الاجتماعي، ويؤخر نمونا الفكري والثقافي كأفراد وكمجتمعات.
سنحاول معًا كسر جدران كثيرة، ربما يتعرف القارئ من خلالها على جوانب دفينة في نفسه، ومن ثم يطل على الحياة الحقيقية بعيدًا عن الزيف والأوهام.
الجدار الأول: وهم صورتك أمام الآخرين
أولى الجدران التي يجب نسفها بلا تردد هي تلك الصورة القلقة التي نرسمها لأنفسنا في عيون الآخرين. إنها آفة حقيقية تضيع بسببها فرص عظيمة وتُهدر طاقات ثمينة. هذا السعي الدائم لاسترضاء أوهام الآخرين أشبه بسجين يقضي عمره في تلميع قضبانه. هذا الاهتمام المفرط بالصورة له جذور نفسية عميقة، ينبع من حاجتنا إلى القبول والتقدير، وخوفنا من الرفض أو النقد. وكم من أفكار خلاقة وابتكارات فريدة دُفنت خوفًا من همسات أو نظرات قد لا تحمل في طياتها سوى سطحية الحكم؟ إن هذا الهاجس يقيد إبداعنا وتفكيرنا الأصيل، حيث نخشى الخروج عن المألوف خشية من ردود فعل الآخرين.
لذا، دعك من فكرة "ماذا سيقول الناس" وكلامهم الفارغ. افعل ما يحلو لك طالما لا تتجاوز حدود القانون، أو الشرع، أو الآداب العامة. لا يهم إن كان فعلك مخالفًا لرأي القطيع الغارق في مستنقعات العادات والتقاليد البالية. استمتع بحياتك كما تراها أنت وحدك، ولا تخلق من مخاوفك شماعات واهية لتعلق عليها إخفاقاتك.
الجدار الثاني: سجن "العيب" المجتمعي
الجدار الثاني الذي يستحق النسف هو ذلك الحاجز العجيب والغريب المسمى "العيب". من الذي قال إن هذا الفعل أو القول عيب؟ غالبًا ما يكون المجتمع الفاشل، الغارق في أفعال حرام ومشينة تنافي أبسط الأعراف. ما هو العيب حقًا؟ هل هو الفعل الذي يضر بالآخرين، أم هو الخروج عن قالب اجتماعي صدئ لم يعد صالحًا لزماننا؟ غالبًا ما يكون "العيب" هو السلاح الذي يشهره الخائفون في وجه المختلفين. إن مفهوم "العيب" غالبًا ما يكون نسبيًا ويختلف بين الثقافات والأزمنة وحتى داخل المجتمع الواحد بين فئات مختلفة. كما يُستخدم "العيب" في كثير من الأحيان كسلطة قمعية للحفاظ على الوضع الراهن ومنع التغيير والتطور.
إذن، "العيب" الحقيقي هو ما تحدده أنت لنفسك من خلال أخلاقك المستمدة أولًا وأخيرًا من دينك وقيمك الراسخة. ما عدا ذلك، فهو محض غباء منك؛ لأنك تهتم برأي مجتمع فقد الآن معناه الحقيقي للقيم والمبادئ والأخلاق. بل إن الدين أصبح عنده مجرد شعارات جوفاء وطقوس فارغة من التقوى الحقيقية.
اقتحم الحياة التي تروق لك أنت فقط، ولا تعر أي اهتمام لمن يصف قولك أو فعلك بالعيب. فالعيب الحقيقي هو أن لا تستمتع بحياتك التي لا يعلم تفاصيلها الدقيقة إلا أنت. تذكر دائمًا حدود حريتك تكمن في عدم إيذاء الآخرين أو تجاوز القانون والأخلاق الحقيقية.
دعوة إلى التحرر والمسؤولية:
فلنهدم جميع الجدران الوهمية التي تقيد أرواحنا وتعيق خطواتنا نحو حياة أكثر أصالة ومعنى. لنخطُ خطوات جريئة نحو ذواتنا الحقيقية، محررين من أغلال صور زائفة وعادات بالية. إن صوتك الفريد، فكرتك المغايرة، هي اللبنات الحقيقية التي نبني بها عالمًا أكثر ثراءً وأصالة. تذكر أن تحررك يبدأ بك ولكنه يمتد ليغير العالم من حولك.