تجليات مولانا عن الحب: رحلة من الذات إلى الحياة

تجليات مولانا عن الحب:

 رحلة من الذات إلى الحياة

=============



مقدمة:

في تأملات عميقة، يغوص "مولانا" في مفهوم الحب، ليقدم لنا تجليات تتجاوز حدود التعريفات السطحية المعتادة. إنه تحليل مستنير يلامس جوهر الحاجة الإنسانية لهذا الشعور السامي، مؤكدًا على أنه ليس مجرد عاطفة عابرة، بل هو نبض الحياة وروح الوجود الإنساني برمته.

المحور الأول: الحب.. نبض الحياة وروح العبادة:

يجيب "مولانا" بـ "نعم" قاطعة على سؤال: هل نحتاج الحب؟ ليقرر أن الحب ليس ترفًا بل هو "الحياة" ذاتها. يربط هذا الشعور الأساسي بأسمى الغايات، فكيف لنا أن نعبد الله إلا بحبه؟ وكيف نهتدي بسنة نبيه الكريم إلا بحب يفوق حبنا لذواتنا؟ الحب هو الدافع للعمل والإبداع، وهو النور الذي يجعلنا قادرين على عيش هذه الحياة بكل ما فيها من تناقضات، فبدونه تصبح الحياة "جحيمًا"، والإنسان مجرد "كائن حي" بلا روح، أداة سهلة في يد الشر. لذا، فالحب هو جوهر الإنسانية.

المحور الثاني: الحب هو أنت.. رحلة استكشاف الذات:

يذهب "مولانا" أبعد من ذلك ليؤكد أن "الحب بمنتهى البساطة هو أنت". هذه الجملة دعوة عميقة لرحلة استكشاف الذات. فلكي نحب بصدق، يجب أولًا أن نتعرف على أنفسنا، أن نمارس "النقد العقلي" لذواتنا، نصغي إلى "أصوات ذاتنا المتناثرة"، ونسعى لمصالحة داخلية. هذه المصالحة مع الذات هي الأساس المتين الذي يمكن أن ينبني عليه حب حقيقي للآخرين. فالإنسان الذي يجهل كنوزه الداخلية، كيف له أن يمنح الحب أو يستقبله بصدق وعمق؟

المحور الثالث: الإنسان الحقيقي.. قبول الآخر والتوق للجمال:

ينتقل "مولانا" إلى تعريف جوهر "الإنسان" الحقيقي، مؤكدًا أن إنسانيتنا تتجلى في "قبول الآخر المختلف". هذا القبول هو أساس التعايش والتناغم، فـ "التنوع أصل الحياة". الإنسان الحقيقي لا يأسره التشابه، بل يحتضن الاختلاف ويتوق إلى "الحق والخير والجمال" بغض النظر عن مصدرها. هذه الرؤية تربط الحب بالانفتاح الفكري والروحي والقيم الإنسانية السامية، وتدعونا للتساؤل: هل نحن حقًا "إنسان" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أم مجرد كائنات حية؟

المحور الرابع: صناعة الحب.. قرار واعي وبناء مستمر:

يقرر "مولانا" أن الحب في بدايته قد يكون قدرًا، لكن "الاستمرار في الحب قرار"، وهذا القرار هو بمثابة "صناعة الحب". هذه الصناعة تتجاوز المشاعر العفوية لترتكز على وعي وجهد مستمرين. تبدأ بالإعجاب الحسي أو المعنوي، لكنها تتعمق لتصبح معنوية في جوهرها، ثم يأتي دور "القرار" الواعي بالاستمرار رغم اختلافات الشخصيات والطبائع الداخلية.

المحور الخامس: أعمدة صناعة الحب.. معرفة الذات والآخر:

يحدد "مولانا" عمودين أساسيين في "صناعة الحب". الأول هو "معرفة الذات" بعمق، فهم احتياجاتنا وما الذي يجذبنا في المحبوب ويكمل نقصنا. والثاني هو "معرفة الآخر كما ينبغي"، فهم عيوبه ونواقصه، وما إذا كان لديه ما يسد احتياجنا، وكيفية إنشائه وترسيخه داخله إن لم يكن موجودًا. هذه "الصناعة" تتطلب "عقلًا واعيًا جدًا" واستعانة بعلوم النفس وفهم لغة الإشارة، والغوص في المعاني العميقة لما يُقال وما يُسكت عنه.

المحور السادس: صراع العقل والقلب في مرآة شعر ابن الفارض:

يختتم "مولانا" تأملاته ببيت شعر لابن الفارض يلخص الطبيعة المعقدة للحب:

هو الحُبّ فاسلم بالحشا ما الهَوى سهلَ فما اختارَهُ مُضْنى به وله عقْلُ

هذه الأبيات تعكس الصراع الأزلي بين العقل والقلب في مواجهة الحب. فالحب قد يبدو صعبًا ومؤلمًا، لكنه في جوهره يحمل قوة جاذبة لا يقاومها حتى العقل الواعي.

الخاتمة:

إن تجليات "مولانا" عن الحب تقدم لنا رؤية شاملة وعميقة تتجاوز النظرات السطحية. تربط الحب بالوجود الإنساني في كل جوانبه، وتجعله رحلة استكشاف للذات وقبول للآخر، وعملية "صناعة" واعية تتطلب فهمًا عميقًا للنفس وللآخر. إنها دعوة لأن نعيش إنسانيتنا الحقيقية لنستطيع أن نحب بصدق وعمق، فالحب ليس مجرد شعور، بل هو جوهر الحياة وروحها.





كل التفاعلا

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.