الضوء والظل: الدولة والسينما المصرية.. حكاية رقابة وتوجيه.

  • الضوء والظل: الدولة والسينما المصرية.. حكاية رقابة وتوجيه.

=========


هل هناك علاقة ما بين الدولة - بكل اجهزتها - والسينما؟

الإجابة المتسرعة العنيفة تقول: نعم، ولكنها للأسف تصطدم مع الواقع الفعلي، لأن بدايات السينما، سواء على المستوى الفردي لمحمد بيومي بالإسكندرية، ثم توالي إنتاج الأفلام حتى الخمسينيات من القرن الماضي، كان دور الدولة فيها صفرًا. (ملاحظة: في فترة الخمسينيات وبدايات الدعم الثقافي، ومع إنشاء معهد السينما على يد الوزير ثروت عكاشة، بدأت الدولة خطوة نحو تأميم الكفاءات ووضع أسس لصناعة سينمائية وطنية، وإن لم يكن ذلك تدخلًا مباشرًا في الإبداع. كما بدأت الدولة هنا تلعب دورًا اقتصاديًا من خلال المؤسسات الناشئة لدعم الإنتاج.)

البدايات: اختلف المؤرخون في تحديد بداية السينما في مصر؛ فهناك من يقول أن البداية في عام 1896 مع عرض أول فيلم سينمائي في مصر، في حين رأى البعض الآخر أن بداية السينما في 20 يونيو 1907 مع تصوير فيلم تسجيلي صامت قصير عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى معهد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية.  

وبعد قيام ثورة يوليو، جاء وزير سيقف التاريخ أمام اسمه كثيرًا، الوزير ثروت عكاشة، فشرع في إنشاء معهد السينما سنة 1957 كنوع لرفع مستوى الفن وليس تدخلًا من الدولة في الإبداع. (ملاحظة: يمكن هنا تحليل الخطاب الرسمي للدولة في تلك الفترة حول أهمية الفن ودور السينما في بناء المجتمع الجديد.)

مع بداية الستينيات وظهور "زوار الفجر"، بدأت السينما يدخلها الرقيب - رجل الدولة - بيده الغليظة للمنع والمنح فقط، بدون تدخل في الإبداع كإبداع. (ملاحظة: في هذه الفترة، لم يكن دور الرقيب مجرد منع أو منح، بل بدأ يتضمن توجيهًا ضمنيًا نحو الموضوعات التي تخدم توجهات الدولة الأيديولوجية، وإن لم يكن ذلك تدخلًا مباشرًا في "الإبداع كإبداع" بالمعنى الحرفي. كما بدأت تظهر تأثيرات العلاقات السياسية على اختيار الأفلام وعرضها.)

قانون تنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات رقم 430 لسنة 1955 والمعدل بالقانون 38 لسنة 1992.

يُنظر إلى الرقابة على الأفلام والمحاذير الكبيرة الواقعة على الإنتاج المحلي في مصر كأمر مفروغ منه، تحت مظلة «حماية القيم العامة والدينية والثقافية»، استخدمت كأداة للتحكم بعرض الواقع الاجتماعي والثقافي، ولتعريف وتحديد القيم الثقافية والدينية، مشكلة عبر ذلك سياقات تلك القيم.

بعد هزيمة يونية الكارثية ومجموعة السيطرة بقيادة الضابط موافي، بدأت علاقة الفن مع الدولة كتوجيه للمجتمع، وكان هذا التدخل النواة الصلبة لعلاقة الدولة بفن السينما. (ملاحظة: هزيمة يونيو 1967 كانت نقطة تحول حاسمة، حيث أدركت الدولة قوة الفن في تشكيل الوعي الجمعي وتعبئة المجتمع، وأصبحت السينما أداة واعية لتوجيه المجتمع نحو أهداف محددة. هنا، تعزز الدور الاقتصادي للدولة في توجيه الإنتاج نحو هذه الأهداف.)

في السبعينات، وما تلا استلام الكاتب يوسف السباعي لمنصب وزير الثقافة قبل حرب 1973، مُنعت أربعة أفلام مؤقتًا، هي: "العصفور" ليوسف شاهين (1972)، و"زائر الفجر" لممدوح شكري (1973)، و«التلاقي» لصبحي شفيق (1977)، و«جنون الشباب» لخليل شوقي (1980)، وأدخلت الرقابة مفهوم حذف المشاهد غير المناسبة بدلًا من منع العرض. فمثلًا، حُذفت عدة مشاهد مثّلت الفساد الإداري أو الشرطي في الدولة قبل الهزيمة من فلم «زوار الليل». (ملاحظة: إدخال مفهوم الحذف كان تكتيكًا جديدًا للرقابة الانتقائية، يضمن عدم ظهور انتقادات جوهرية مع إبداء مرونة ظاهرية. كما يمكن ملاحظة تفاعل محدود للمؤسسات غير الحكومية في محاولة مقاومة بعض هذه القيود.)

ثم جاء فترة التسعينات وكان عنوان الدولة محاربة الإرهاب، وهنا ظهر الكاتب وحيد حامد كرجل مبدع، ولكن أيضًا كرجل منفذ لتعليمات الدولة، ويظهر ذلك بوضوح في فيلم "الإرهابي" لعادل إمام ومسلسل "العائلة" لمحمود مرسي.

في التسعينات، ظهرت حجة «صورة مصر دوليًا» ثانية بالإضافة إلى «المؤامرة الغربية» و«الحرب على الدين»، فمنعت أفلام يوسف شاهين «المهاجر» و«الأبواب المغلقة» لعاطف حتاتة. (ملاحظة: حجة "صورة مصر دوليًا" أصبحت أداة رقابية لمنع أفلام تناولت موضوعات حساسة أو قدمت صورًا "مسيئة" للبلاد في الخارج. في المقابل، بدأت تظهر بعض محاولات للسينما المستقلة ذات التمويل المحدود.)

بعد عام 2014، اشتدت الرقابة إلى درجة لم تكن منذ حقبة جمال عبد الناصر، فتم عمليًا حظر الأفلام المختلفة حول الثورة المصرية، بما في ذلك فيلم تامر السعيد في «آخر أيام المدينة» (2016)، وهو بانوراما القاهرة المنهارة قبل الثورة والتي تحتوي على مشهد احتجاج ضد الجيش؛ وفيلم "حادث النيل هيلتون" لطارق صالح (2017)، وهي فيلم جريمة تستكشف فساد الشرطة في الأيام الأخيرة لمصر في عهد مبارك. من جانب آخر، استولت الحكومة المصرية بالكامل على صناعة الترفيه في أعقاب عام 2013. (ملاحظة: ما حدث بعد 2014 يمثل تصعيدًا خطيرًا، حيث وصلت العلاقة إلى حد الاستيلاء الكامل على صناعة الترفيه، مما يهدد التنوع والإبداع الحقيقي. في هذا السياق، يواجه صناع السينما المستقلة تحديات أكبر في التمويل والتوزيع في ظل صعود منصات البث الرقمي التي تخضع أيضًا لرقابة متفاوتة.)  

ملاحظة ختامية: إن العلاقة بين الدولة المصرية والسينما هي علاقة معقدة ومتغيرة، تعكس التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد. فمن غياب شبه كامل في البدايات إلى تدخل متزايد وصل إلى حد السيطرة، مرورًا بمحاولات الدعم والتوجيه، تظل هذه العلاقة محورية في تشكيل المشهد الثقافي والفني في مصر، وتستدعي دراسة مستمرة لفهم تأثيرها على الإبداع وحرية التعبير.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.