ساحات الوعي: معركة الأفكار المصيرية وكيفية خوضها بفاعلية
يتصور الكثير من البسطاء أمثالي أن ساحات الوعي الشاملة تدار بطريقة عشوائية لإنتاج الأسفاف. للأسف الشديد، هذا غير صحيح! فإذا قاموا بتطبيق العلمانية الشاملة دفعة واحدة، ربما واجهوا بعض المعارضة الكرتونية، وربما لم يتقبلها الناس العاديون. لكن بالطريقة التي تشبه نقطة الحنفية، نقطة نقطة، يتم تكسير كل شيء وأي شيء بهدوء وبصنعة متقنة، حتى ترى القبح هو عين الجمال.
تأمل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82]. ركز جيدًا في الآية، تجد أن التطهر أصبح تهمة وسبة، لأن القوم عاشوا وتعايشوا مع القبح لدرجة كراهية التطهر.
السؤال: ما هي ساحات الوعي بالمفهوم الشامل؟
سيتبادر للأذهان سريعًا الأفلام والأغاني وما شابه ذلك، وهذا مفهوم قاصر جدًا! لأن ساحة الوعي هي ما يؤثر على الناس، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
مثلاً:
- هل كتب الدراسة حتى المرحلة الثانوية لا تعتبر ساحة وعي؟
- هل كتب عذاب القبر والثعبان الأقرع لا تعتبر ساحة وعي؟
- هل صياغة القوانين وإصدارها لا تعتبر ساحة وعي؟
- هل الشيخ المدعي الذي قرأ كم كتاب ويفتي في كل شيء وأي شيء لا يعتبر ساحة وعي؟
إذن، ساحة الوعي ليست ساحة محددة بإطار ما، بل هي كل شيء وأي شيء له أثر وتأثير كما قلنا في الناس.
السؤال الجارح: هل لنا دور في تلك الساحات بخلاف الشتم والسب والتسفيه والتجريح، وهو العائد منه صفر كبير؟
الإجابة: لا!
السؤال الأقوى: كيف يكون لنا دور في ساحات الوعي؟
هذا هو التحدي الحقيقي، ويتطلب منا استراتيجيات مختلفة وأكثر عمقًا:
- بناء محتوى إيجابي وبديل: بدلاً من مجرد الهجوم على المحتوى السائد، يجب أن نعمل على إنتاج محتوى جذاب ومقنع يقدم رؤيتنا وقيمنا بشكل إيجابي. هذا يشمل أفلامًا، مسلسلات، أغاني، مقالات، كتبًا، ومحتوى رقميًا عالي الجودة.
- استخدام الأدوات والمنصات المتاحة: يجب أن نتقن استخدام مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر أفكارنا ورؤانا. هذا يتطلب فهمًا لآليات عمل هذه المنصات وكيفية الوصول إلى الجمهور المستهدف.
- التركيز على الجودة والإتقان: يجب أن يكون المحتوى الذي نقدمه على مستوى عالٍ من الجودة من حيث الشكل والمضمون. الإتقان في الإنتاج والتعبير يجذب الانتباه ويزيد من التأثير.
- التفاعل الإيجابي والحوار البناء: بدلاً من الشتم والتجريح، يجب أن نسعى إلى التفاعل الإيجابي مع الآخرين، حتى المختلفين معنا. الحوار البناء والمحترم قد يفتح آفاقًا جديدة ويؤثر في وجهات النظر.
- دعم المبادرات الإيجابية: يجب أن ندعم الأفراد والمؤسسات التي تعمل على إنتاج محتوى إيجابي وهادف في مختلف ساحات الوعي. هذا الدعم يمكن أن يكون ماديًا أو معنويًا أو من خلال نشر أعمالهم.
- العمل المؤسسي المنظم: التأثير الحقيقي يتطلب عملاً مؤسسيًا منظمًا ذا رؤية واضحة واستراتيجيات محددة. إنشاء مؤسسات فكرية وثقافية وإعلامية قادرة على إنتاج محتوى مؤثر وتنفيذه بشكل فعال.
- توعية النشء والشباب: يجب أن نولي اهتمامًا خاصًا بتوعية الأجيال الصاعدة وتمكينهم من التفكير النقدي واستهلاك المحتوى الإعلامي والثقافي بوعي.
- القدوة الحسنة: أفعالنا وسلوكنا الشخصي هي أقوى وسائل التأثير. القدوة الحسنة في حياتنا اليومية تعكس قيمنا ومبادئنا بشكل عملي وتؤثر في الآخرين بشكل أعمق.
- الصبر والمثابرة: تغيير الوعي عملية طويلة الأمد تتطلب صبرًا ومثابرة وعدم يأس. يجب أن نكون مستعدين للعمل المستمر وتحقيق تراكم تدريجي في التأثير.
إن ساحات الوعي هي بالفعل ساحات معركة حقيقية، والمعركة هنا هي معركة الأفكار والقيم. إذا أهملناها، فإننا نخاطر بفقدان القدرة على التأثير في مستقبل مجتمعاتنا وتوجيهها نحو ما نراه خيرًا وصلاحًا. الدور الفعال يتطلب منا أن نكون لاعبين مبادرين ومنتجين، لا مجرد متفرجين غاضبين.