نداء مصر

 نداء مصر

=====


صدى مصر في أعماقنا... هل نصمت آذاننا عن أنينها؟
إن في داخل كل منا نبضًا لمصر، جوهرًا يتشكل من قيمها المتأصلة، وإمكاناتها الكامنة، ومسؤولية تاريخية تجاه ترابها وناسها. ولكن، عندما نتغاضى عن "مثلث التردي" الذي يفتك بمجتمعاتنا - الفقر المدقع الذي يكبل الطاقات، والجهل المطبق الذي يعيق التقدم، والمرض المستوطن الذي ينهك الأجساد - فإننا بذلك نساهم بشكل مباشر في تآكل هذا الجوهر الداخلي، وتقويض أسس نهضتنا. وعندما يضعف هذا العمق الوطني في دواخلنا، يصبح من السهل جدًا على عوامل خارجية وداخلية أن تنال منا وتعيق مسيرتنا.
دعوة إلى ساحة العقل الهادئ:
بصدق وتجرد، لنسأل أنفسنا: ما هي الإسهامات الحقيقية التي قدمناها لمواجهة شبح الفقر الذي يخيم على الكثيرين؟ وما هي الجهود الملموسة التي بذلناها لإنارة دروب الجهل التي تعيق التفكير النقدي والابتكار؟ وأين تكمن مساهماتنا الفعالة في محاصرة الأمراض التي تستنزف الأرواح والطاقات؟ الإجابة، إذا تجردنا من الزيف، قد تكشف عن تقصير كبير على المستويين الفردي والمجتمعي، وهو تقصير له جذور ذاتية عميقة، تتشابك أحيانًا مع هياكل مجتمعية تحتاج إلى إصلاح جذري.
كم منا بادر بصدق لانتشال إنسان من هوة الفاقة بتمكينه بالأدوات والمعرفة، بدلًا من الاكتفاء بإلقاء فتات المساعدات العابرة التي تسكن جوع اليوم وتؤجل أزمة الغد؟ نفتقد إلى مبادرات مستدامة تزرع بذور الاكتفاء الذاتي من خلال التعليم المهني الحقيقي، وتوفير فرص العمل اللائقة، ودعم المشروعات الصغيرة التي تنبت الأمل.
وكم منا انخرط بفاعلية في ساحات الوعي المجتمعي بروح متجردة، بعيدًا عن صراعات الأنا والرغبة الخفية في اعتلاء منابر زائفة؟ نحن بأمس الحاجة إلى عمل جماعي مخلص، ينشر المعرفة الحقيقية وينمي الفكر المستنير، دون أن تشوبه دوافع شخصية أو رغبة في الظهور.
وكم منا مد يد العون بصدق لمجتمعه الصغير وأسرته لمواجهة الأمراض المستشرية، بجهود تتجاوز حدود التبرعات المالية الشاحبة؟ المطلوب هو وعي حقيقي بأهمية الوقاية، ودعم للمؤسسات الصحية المحلية، والمشاركة الفعالة في حملات التوعية والتطعيم، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للمرضى وأسرهم.
لنفكر سويًا، بصوت العقل الهادئ لا بضجيج الاتهامات العقيم. بدلًا من أن نوجه أصابع اللوم نحو الآخرين متهمين إياهم بهدم مصر التي تسكن فينا، قد نكتشف بمرارة أننا كنا أول من يضعف بنيانها الداخلي دون أن نعي. إن ميلنا الفطري لتزكية الذات وتصوير الآخرين في صورة الشياطين يحجب عنا مرآة الحقيقة ويعيق أي محاولة جادة للإصلاح.
لا شك أن لهذا التقاعس جذورًا أعمق، تمتد لتشمل سياسات اقتصادية واجتماعية قد تعيق التقدم، وتأثيرًا للإعلام والتعليم في تشكيل الوعي، وتعميقًا للهوة السحيقة بين الطبقات. وفهمنا العميق للسياق التاريخي لهذه التحديات يمثل خطوة ضرورية نحو إيجاد حلول فعالة. كما أن الشعور باليأس وفقدان الثقة في المؤسسات قد يثبط الهمم ويعيق أي مبادرة حقيقية.
لكن يبقى الأمل معقودًا على إدراكنا العميق لمسؤوليتنا الفردية والجماعية - كأفراد مؤثرين، وكنخب فكرية مستنيرة، وكمجتمع مدني حي. نحتاج إلى إطلاق مبادرات فردية صادقة تنبع من القلب في محيطنا الضيق، ودعم بلا كلل لجهود الخير المخلصة التي تسعى للتغيير، وممارسة الضغط المستمر من أجل دور دولة فعال ومسؤول يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. إن التنسيق الفعال بين مختلف الجهود ووضع آليات واضحة لقياس الأثر يمثلان حجر الزاوية في أي تحرك جاد نحو المستقبل.
فلنبدأ هذه اللحظة بنقد ذاتي شجاع وصادق، يتبعه عمل دؤوب ومثمر. ما هي الخطوة العملية الملموسة التي ستتخذها، بدءًا من محيطك القريب، للمساهمة بفاعلية في مقاومة الفقر أو الجهل أو المرض الذي ينخر في جسد أمتنا؟
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.