"زمن الزيف اللامع:
قراءة في تحولات عالمنا الجديد
==================
العالم اللي بنعيشه دلوقتي بيشهد تحولات جذرية مش مجرد تطور طبيعي، لكنها أشبه بانقلاب قيمي تدريجي بيهز ثوابت مجتمعاتنا. بقى فيه تركيز طاغي على المظاهر والقشور، كأننا بنعبد السطح وبنهمل الجوهر الأصيل اللي بيحمل معنى حقيقي لحياتنا وقيمنا. ده عالم ماشي وعين مغمضة عن نور الأخلاق الراسخة، ومش سامع لنداء الضمير، كل اللي بيدور عليه هو إشباع الرغبات والمتع اللحظية، حتى لو ده جه على حساب ديننا وتقاليدنا والأعراف اللي رسمت ملامح هويتنا وحمت نسيجنا الاجتماعي من التفكك.
في هذا العالم المستجد، الدين بقى عامل زي تحفة فنية قديمة معروضة في متحف، الناس بتبص عليها بإعجاب من بعيد لكن محدش بيقتدي بتعاليمها في حياته اليومية. والتقاليد اتحولت لقيود تقيلة بتعطل "التقدم" المزعوم ناحية فردانية طاغية مش بتعترف غير بقانون "أنا أولًا"، وبترفع الأنانية لمرتبة القداسة، كأن مصلحتي هي الدستور، وأي كلام تاني عن الإيثار أو الجماعة بقى كلام فارغ. مفهوم العيب نفسه втратив معناه الثابت، وبقى بيتغير بتغير الموضة ورغبات السوشيال ميديا، في ظل وضوح خادع نابع من إسقاط كل الضوابط والمعايير اللي كانت بتحكم سلوكنا، وكأن "اللعب على المكشوف" هو القاعدة السائدة في ماتش كورة من غير قوانين، كل حاجة فيه مباحة باسم "الحرية" الفردية اللي ملهاش حدود.
التحول القيمي ده مش مجرد فقاعة وهتختفي، ده انقسام حقيقي بيدي ضهره للناس اللي لسه متمسكة بقيمها الأصيلة، وبيعلّي من شأن "السادة الجدد" اللي ماشيين بمنطق "أنا ومن بعدي الطوفان". وده بيبان حتى في محاولات الشباب تقليد الثقافات الاستهلاكية الغريبة بشكل أعمى، زي لما تسمع بنت من عيلة محافظة بتقول على أكلنا الأصيل "فود تريند" أو "إيرث برجر" لمجرد مواكبة الموضة.
وبيظهر هنا مفهوم "مركز شباب الرأسمالية المتوحشة"، وده مش مكان له عنوان، ده فكر استراتيجي، أشبه بحاضنة بتفقس نخبة جديدة مهمتها الأولى هي خدمة النظام ده بكل تفاني وإخلاص. عامل زي نظام طبقي متخفي، بتبدأ فيه كجندي مطيع في كتيبة الاستهلاك، وبعدين بتترقى بالتدريج عشان تبقى ضابط في "نادي الرأسمالية المتوحشة"، النخبة اللي بتستفيد أقصى استفادة من خيرات النظام ده. المركز ده مش بتاع جيم ولا كورة، ده معقل لتشكيل العقول والولاءات لقيم السوق والربح الأعمى، وليها أنبياء بينشروا أفكارها كأنها وحي منزل، زي مارجريت تاتشر وريجان. العقيدة دي شايفة إن "كل حاجة بتاعتنا ومفيش أي حاجة للتانيين"، وبتبص لمفاهيم الإنسانية والتعاطف مع الضعفاء على إنها مجرد مشاعر مؤقتة. الفلسفة دي بتبان في أفكار ناس زي مالتوس، اللي شاف إن الفقير اللي مش لاقي شغل هو "ضيف تقيل على وليمة الطبيعة"، وإن الطبيعة "بتقوله امشي من الدنيا بدل ما تزحمها"، وده بيعكس قسوة منطق "العالم الجديد" اللي بيقيّم البني آدم بقيمة إنتاجه واستهلاكه بس.
في النهاية، "العالم الجديد" ده مش مجرد موجة عابرة، ده تحول قيمي عميق محتاج مننا وقفة وتفكير. ده عالم بيهدد بتقويض الأسس الأخلاقية والإنسانية لمجتمعاتنا، وبيستبدلها بقيم براقة من بره لكن فاضية من جوه، قوامها المظهر والأنانية والبحث عن اللذة بأي تمن. فهمنا لطريقة عمل العالم الجديد ده هو أول خطوة عشان نقدر نحافظ على إنسانيتنا وقيمنا الأصيلة في مواجهة تياره الجارف.