خارج الحياة، هذا هو الاسم الحقيقي للفيلم، ولكن ربما صناع الفيلم لديهم أمل قادم في الناس فجعلوه "خارج الخدمة" فقط.
نحن أمام عمل شديد الخصوصية؛ لأنه قائم على الترميز الهادئ العميق، حتى يترسخ المعنى داخل المتلقي مهما كانت درجة استيعابه؛ لأن العمل من الأفلام الحوارية المحمّلة بأفكار.
وكان الطرح الفكري في العمل هو: هل الثورات تصلح مع هؤلاء القابعين في غيبوبة حياتية بسبب المخدرات الحقيقية، أو المخدرات الفكرية واللغوية؟
يبدأ العمل لنرى حرامي أنتيكات من شقق وسط البلد، يبيعها بأبخس الأثمان، وهو مدمن لكل أنواع المخدرات ويعيش في غرفة أقرب إلى المقبرة، ويقتات أي شيء. وأثناء إحدى السرقات، يجد فلاشة وعليها فيديو لامرأة تخنق طفلة. يتعرف عليها لأنها جارته، إنها "طوق النجاة للبؤس". تقابله بهدوء وتسايره بلامبالاة غير عادية، بل تطلب منه شراء مخدرات. وبعد التعاطي، تحدث مشادة على مبلغ المساومة فيقوم باغتصابها. ثم يأتي مرة أخرى فيجدها أعدت الطعام وأخذت حماماً، وكأنها زوجة تنتظر زوجها، بل تقوم بتغيير ملابسه العفنة. يأكلان ثم تبدأ جلسة المخدرات والغيبوبة الكاملة عن كل شيء إلا اللذة الحسية.
كل جلسات المخدرات كان التلفزيون في الخلفية دون صوت، وكانت البداية مع ريم ماجد، إحدى علامات ثورة يناير الإعلامية.
وفي إحدى المرات، تسأل البطل عن رأيه في أحداث ثورة يناير (التي كانت أحداثها مشتعلة بجوارهم)، ليرد البطل: "أنا مليش في السياسة بس بكره الحكومة، ولكن بحب الجيش؛ لأنهم بيحترموا الناس". ورأيه في الإخوان أنهم "بيساعدوا ناس ياما".
وفي مشهد آخر، نسمع تلفزيونياً آخر خطبة للرئيس محمد مرسي، ولكن البطلة تقوم بغلق التلفزيون، وهي إشارة لرفضها للإخوان.
وفي مشهد آخر، تقول البطلة: "الدنيا فاضية، واضح إن الناس خايفة تنزل في 30 يونية"، وكان هذا نهاراً.
وقبل النهاية، نعرف أن المرأة ممثلة، وأن القتل الموجود على الفلاشة مشهد تمثيلي.
العمل أراه شديد العذوبة، وهو من الأفلام الطارحة لأفكار دون التحيز لرأي ما.
وكان الطرح: هل أصحاب الغيبوبة القابعين على هامش الحياة (وهم كثر جداً) يصلح معهم كل الأحداث الثورية التي قامت؟ أم لا بد من الوعي أولاً لهؤلاء للخروج من كهوف الجهل بكل أنواعه؛ لمعرفة أنهم بشر لهم حقوق؟
أحمد الفيشاوي ممثل من العيار الثقيل جداً على المستوى الجسدي والانفعالات الداخلية؛ فقد عبر عن المدمن الضائع القانع بالفتات في أي شيء، فكان انحناء جسده معظم الوقت، وأيضاً الحركات التي تبدو لا إرادية كونه مدمناً، وطريقة الكلام، فكان الأداء منضبطاً بشكل طبيعي، وهو ما يطلق عليه "السهل الممتنع".
شيرين رضا ممثلة شجاعة لقبولها دوراً لا يعبر عن أي أنوثة بأي شكل من الأشكال، بل امرأة متقوقعة داخل ذاتها وكهفها المسمى "شقة"، وكان أداؤها مقنعاً جداً.
محمود كامل كمخرج متفهم لرسالة الفيلم، وحافظ إلى حد ما على إيقاع العمل دون استعراض إخراجي دون فائدة.
عمر سامي مؤلف رائع؛ لأن فكرته جديدة ورائعة للغاية، وهي: هل الثورة للناس أم الثورة بالناس؟ فإذا كانت الناس "خارج الخدمة"، فهل تصلح لهم الخدمة مهما كانت عظيمة؟ وجعل فكرته في قالب جيد للنماذج التي تمثل الأغلبية بشكل أو بآخر.
تامر كروان أراه فناناً حقيقياً؛ لأنه استخدم الموسيقى التصويرية كنوع محفز ضد الملل الذي يمكن أن يتسرب للمشاهد دون إفراط.
مدير التصوير متميز للغاية، وخاصة استخدامه للإضاءة الغائمة معظم الوقت؛ لأن من هم "خارج الحياة" لا يعرفون ليلاً من نهار، ودوماً يرون الأشياء من خلال ضباب الدخان المحترق من المخدرات.
شكراً لصناع العمل جميعاً على الجرعة الفنية على عدة مستويات، خاصة المستوى الفكري، ربما يساعد في إلقاء أحجار أخرى في البركة الآسنة للجهل المطبق من الآخرين، ليساعدوا في نهوض الوعي العام.