أبو عمر المصري... بين الفن والحقيقة
نحن أمام عملٍ محترمٍ بكل المقاييس، لأنه ببساطة يحترم المشاهد.
احترام يظهر في كل التفاصيل: أماكن التصوير المختارة بعناية، الملابس المناسبة للشخصيات، الإضاءة التي تخدم الحالة النفسية، والأداء التمثيلي القائم على قاعدة «السهل الممتنع».
وعلى القمة يقف فتحي عبد الوهاب وأحمد عز، في أداء يذكّرنا بأن التمثيل ليس استعراضًا بل صدقًا.
كل هذا يدل على أننا أمام مخرج محترم، خادم للفكرة التي يُخرجها، لا متقعّر يحاول إثبات ذاته.
كل الشكر والتقدير للمخرج أحمد خالد موسى.
تدور الأحداث حول المحامي المصري فخر الدين، الذي أسس مع مجموعة من أصدقائه المحامين الجدد تنظيمًا سلميًا يسعى لإيجاد حلول لمشكلات المواطنين البسطاء بعيدًا عن مافيا المحاماة وأسعارها المبالغ فيها.
لكن هذا التنظيم أثار غضب أحد الأجهزة الأمنية، فبدأت تصفيته «خارج إطار القانون».
يُقتل ابن خالته عيسى، وينجو فخر الدين بأعجوبة، ليهرب إلى فرنسا منتحلًا شخصيته.
هناك تلد له محبوبته القديمة ابنه عمر ثم تموت أثناء الولادة، فيقرر الانتقال إلى السودان، حيث يتحول إلى كادر مهم في جماعة إرهابية مسلحة، وعينه على الثأر.
المشهد الذي جمع أحمد عز بالعبقري فتحي عبد الوهاب في الحلقة 23 يلخّص العمل كله لمن يريد أن يفهم.
المشهد يقول إن الأسياد هم من يرسمون الحياة لشمّامي الكلة، ويحكي قهر جيل التسعينات الذي تخرّج بأحلامٍ واسعة فوجد نفسه في غابة مبارك، غابة لا تعرف إلا نهش العظام.
يحكي عن جيلٍ أصبح «فأرًا غبيًا» في مجارير الأسياد، لا يُسمح له أن يكون شيئًا آخر، وإلا فُرم بأسنان القهر: القتل، والسجن، والسحل.
وإن قبل أن يكون فأرًا، فهناك مفرمة أخرى بأسنان الفقر والجهل والمرض.
هل عرفتم لماذا خرج الناس في يناير 2011؟
خرجوا لأنهم بشر، أرادوا للحظة أن يعلنوا للغابة أنهم يستحقون أن يكونوا شيئًا آخر غير الفئران.
لكن الغابة كانت أقوى، لأن بقية الغابة من العبيد الذين خافوا أن يكونوا أسيادًا على أنفسهم، فحاربوا يناير ليعود الجميع إلى وضع الفأر الغبي.
ومن هنا يظهر الخطر الأكبر: حين يُترجم الغضب إلى ثأرٍ ديني زائف، والدين منه براء.
المسلسل يحاول، بهدوء وصدق، أن يشرح كيف يُولد الإرهابي، وكيف يُصنع التطرف من رحم القهر والحرمان.
رسالته واضحة: انشروا العدل، ثم اقتلوا الفقر والجهل والمرض لتجفيف منابع الإرهاب.
العمل مأخوذ عن روايتي أبو عمر المصري ومقتل فخر الدين للكاتب والدبلوماسي عز الدين فشير، الذي جمع بين الأدب والسياسة، وكتب عن الثورة المصرية في كتابه «في عين العاصفة»، محللًا أوجاع الوطن بعين من عاشها لا من راقبها.
أما أنا...
فلا أملك واحدًا على مليون من شجاعة أبو عمر في الانتقام ممن ظلموه.
لو امتلكت هذا البصيص من الشجاعة، لانتقمت من كل من ظلمني، ومن الموت، ومن الحياة ذاتها.
لكنني ضعيف، جبان.
ظلموني... وخطفوا البنت التي كنت أتنفس هواءها.
ظلموني... والموت سرق مني أطيب إنسانة أعطتني حياتها.
ظلموني... وقهرتني الأعراف والتقاليد حتى من الاقتراب منها.
ظلموني لأنهن أحببنني فقط. كانت تلك جريمتي، ولأنني أحببتهن بصدق.
لست شجاعًا، ولن أكون.
لا أملك إلا الدعاء أن يلهمني الله الصبر على كل ابتلاء.
لست «أبو عمر المصري»...
أنا محسن، وفقط.
كلمات أقولها لا طلبًا لشفقة، ولا ادعاءً للبطولة،
بل لأهدهد روحي قليلًا من عنت الأيام.


0 التعليقات