Blonde - الشقراء: حينما تتحول الأسطورة إلى جرح مفتوح

 

الشقراء: حينما تتحول الأسطورة إلى جرح مفتوح

=====



مارلين… أيقونة أم ضحية؟

هل كان فيلم «الشقراء» عن مارلين مونرو حقًا، أم عن آلية سحق البشر تحت عجلات هوليوود؟ هل كان عن امرأة واحدة، أم عن كل النساء اللواتي اختُزلن عبر التاريخ في جسدٍ فاتن وصوتٍ رخيم، بينما جُردن من الروح والإنسانية؟

السينما ليست صورًا تتحرك على الشاشة، بل وجهة نظر. وفيلم «الشقراء» ليس استثناءً؛ إنه وجهة نظر آندرو دومينيك، التي لا تدّعي الحقيقة التاريخية بقدر ما تكشف هشاشة الأسطورة. لهذا انقسم حوله الجمهور والنقاد: بين من رآه عملًا فنيًا جريئًا يعرّي قسوة الشهرة، وبين من اعتبره تشويهًا فاحشًا لسيرة امرأة صارت أيقونة.

نورما جين ضد مارلين: حرب الهوية المستحيلة

مارلين مونرو، أو بالأحرى نورما جين بيكر، وُلدت عام 1926 وماتت عام 1962، لكنها لم تُدفن قط؛ فصورتها بقيت حيّة، بينما روحها تاهت بين المرايا. دومينيك لا يقدّم لنا مارلين كما عرفها العالم، بل نورما التي تُجبر يوميًا على ارتداء قناع مارلين، حتى صار القناع أثقل من الوجه.

الممثلة آنا دي أرماس نجحت في تجسيد هذه المعضلة الوجودية: لغة جسد مرتبكة، نظرات شاردة كأنها تستغيث من خلف الكاميرا. كنا نرى امرأة تُعاقَب لأنها جميلة، ويُعاقَب جمالها لأنه لا ينتمي لها وحدها، بل صار ملكًا عامًا، سلعة في بورصة الرغبات.

رجال هوليوود: ذئاب في بدل رسمية

لا يكاد يمر مشهد إلا وفيه رجل ينهش من جسد نورما أو روحها:

  • الأب الغائب الذي ظلّت تبحث عنه عبثًا.

  • المنتجون وأصحاب الاستوديوهات الذين عاملوا النساء كسلع قابلة للبيع والشراء.

  • الزوج الرياضي الذي حوّل حبه إلى ضرب مبرح.

  • الكاتب الكبير الذي منحها الحب، لكنه لم يستطع أن يحب نورما ومارلين معًا.

  • وصولًا إلى رئيس الولايات المتحدة، رمز "العالم الحر"، الذي عاملها كجارية تُشترى وتُستهلك.

كل هؤلاء لم يروا فيها إنسانة، بل انعكاسًا لرغباتهم وجرحهم، وكأنها مرآة مشروخة تعكس قبحهم لا ملامحها.

السرد الفوضوي: حياة ممزقة على الشاشة

الفيلم لا يسير بخط زمني تقليدي، بل يتنقل بين الطفولة المكسورة والأضواء الصاخبة والانكسارات الحميمة. هذا الاضطراب السردي ليس عيبًا تقنيًا، بل مقصود ليجعلنا نعيش تفتت هوية نورما بين حقيقتها وصورتها. فكل قفزة زمنية هي تمزق جديد في نسيج روحها.

الجنس: فضح الاستغلال أم تكرار الانتهاك؟

أكثر ما أثار الجدل في «الشقراء» هو جرأته الجنسية الفجّة. هل كانت هذه المشاهد ضرورية؟ هنا ينقسم المتفرجون: فريق يراها كشفًا لوحشية هوليوود، وفريق آخر يراها تكرارًا لذات الاستغلال الذي عانت منه مارلين. المفارقة أن الفيلم وهو يدين "النظر" إلى الجسد الأنثوي، قد يقع أحيانًا في فخ "النظرية" ذاتها.

من سيرة نجمة إلى مرآة مجتمع

في النهاية، «الشقراء» ليس فيلمًا عن مارلين مونرو وحدها، بل عن كل من تُسحق إنسانيته في سبيل صناعة صورة زائفة. إنه فيلم عن الشهرة كعبء، عن النجومية كقناع، عن الأنوثة حين تختزلها الحضارة في جسدٍ لا صوت له.

لقد تحولت مارلين في الفيلم إلى سؤال مفتوح: هل كانت نورما جين ضحية هوليوود، أم ضحية بحثها المستحيل عن أبٍ غائب وحنان مفقود؟

الخاتمة: مارلين كجرحنا جميعًا

«الشقراء» يتركنا في منطقة التباس بين الإعجاب والرفض، بين الدهشة والاشمئزاز. لكن أهميته أنه لا يتركنا محايدين. فهو يذكّرنا أن الشهرة قد تصنع أيقونة، لكنها غالبًا ما تدفن الإنسان الذي بداخلها.

مارلين مونرو، أو نورما جين، لم تكن مجرد شقراء جميلة. كانت جرحًا مفتوحًا اسمه "الأنوثة المستغَلة". وما الفيلم إلا مرآة قاسية تضعنا أمام حقيقة أننا لم نتغير كثيرًا: لا تزال هوليوود، ومعها العالم، يتعامل مع المرأة كصورة قبل أن تكون إنسانة.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.