🌍 بيان الإنسان في زمن الزيف

🌍 بيان الإنسان في زمن الزيف

✍️ بقلم: محسن عباس



في زمنٍ صار فيه الدم مشهدًا يوميًا، والقتل خبرًا عابرًا يمر على شاشات الزيف العالمية، يقف هذا العالم المنافق ليُعيد سرد الأكاذيب القديمة بوجهٍ جديدٍ وقح: أن الإرهاب إسلامي، وأن الإسلام خطرٌ وجودي، وأن الضحية دائمًا متهمٌ حتى يثبت العكس. لقد تحول الدفاع عن النفس إلى جريمة، وبات الصمت على الجريمة أعلى درجات الدبلوماسية.

لكن من ذا الذي كتب تاريخ الدماء؟ ومن الذي رسم حدود الكراهية والنزاع بين الإنسان وأخيه؟ إننا لا نطالب بتبرئة المطلق، بل نطالب بالنظر في سجل التاريخ دون نفاق أو ازدواجية معايير.

هل كان هتلر يسبّح باسم الله؟ هل كان موسوليني يصوم رمضان؟ هل كان من ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي يقرأ القرآن؟ هل كانت محاكم التفتيش التي مزقت الأندلس إسلامية؟ هل كانت الحربان العالميتان تُرفع فيهما راية «لا إله إلا الله»؟ الجواب حاسمٌ وواضح: كلا. إن العنف الأعظم والمجازر الأكثر دموية نبعت دائمًا من مشاريع الهيمنة، والتعصب القومي، والتفوق العرقي، لا من وحي كتابٍ يدعو إلى الرحمة.

أيها العالم الموبوء بالنفاق، أنصت قليلًا:

إن الذين استعمروا الأرض ونهبوا خيراتها، والذين رسموا الحدود بالدماء، والذين زرعوا الكيان الصهيوني في قلب الشرق كخنجرٍ مسموم يضمن استمرار التبعية والنزاع، لم يكونوا مسلمين. إنهم ذاتهم العقول التي تُمول الفوضى وتُخطط للانقسام.

الذين يقتلون أطفال غزة، ويقصفون البيوت على ساكنيها، ويُبرّرون مجازرهم بلغة "الدفاع عن النفس"، لا يعرفون الله إلا كذريعةٍ تلمّع الجريمة. هؤلاء ليسوا ضحايا، بل أبناء مشروع استعماري عقيم، يمارس الإبادة بدمٍ بارد تحت غطاء التكنولوجيا الحديثة ونفاق القوانين الدولية.

بل وحتى الذين أشعلوا الصراع الداخلي في السودان واليمن والعراق وسوريا، لم يفعلوا ذلك باسم الدين الأصيل، بل باسم السلطة، والثروة، والطائفية المُمولة، والهيمنة الإقليمية. لقد استغلت قوى الظلام العالمية والمحلية الفقر واليأس السياسي وغياب العدالة لتغذية تفسيرات دينية متطرفة وشاذة، فتحولت هذه الجماعات إلى مجرد ذراع قذرة يتم توظيفها لتدمير المجتمعات من الداخل، في خدمة أجندة صانعي السلاح.

إنه خريف الضمير الإنساني — حين يرفع القتَلة شعار "السلام" و"الديمقراطية"، ويُدان الأبرياء بتهمة "الإيمان". حين يتحوّل الإعلام إلى محكمةٍ، والدين إلى متّهمٍ بلا محامي، وتصبح جثة الطفل في غزة مجرد رقم إحصائي لا يثير في القلوب سوى البرود.

الإرهاب ليس عقيدةً تُتلى في المساجد، بل مشروعٌ سياسي وفكري مريض يُدار من مراكز القوى التي تستفيد من نشر الفوضى. إنه منتج بشري لمصانع السلاح والمخابرات، لا ثمرة روحٍ مؤمنة. إنه الرد الوحشي على الظلم المُمنهج واليأس المُتصاعد الذي زرعته سياسات الاستكبار العالمي.

كل من قرأ القرآن حقًا، يعلم أن الله قال: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم." فأيُّ دينٍ هذا الذي تُلصقون به ما لم يقله؟

أنتم من صنع الوحش حين خلقتم بيئة الظلم واليأس والحاجة، وصنعتهم الانفجار، ثم صرختم حين خرج من مختبراتكم. وحين سال الدم، وقفتم على الشاشات تتحدثون عن "محاربة الإرهاب"، وأنتم أصل دائرته المغلقة.

الإسلام ليس التهمة، بل المرآة التي تُظهر قبح العالم حين يفقد ضميره. والتاريخ — مهما أُعيدت كتابته — لا ينسى وجوه الجلادين مهما تلثّمت بالمواعظ الإنسانية الزائفة.

كفى تلاعبًا بالمفاهيم. كفى تزويرًا للضمير. فالإرهاب لا دين له ولا وطن له، بل هو عقلٌ مريض يسكن قصور القوة ويكتب خطب الإنسانية بدمٍ بارد.

وسيأتي يومٌ يُدان فيه هذا العالم المنافق كما أُدينت من قبل النازية والفاشية، حين يفهم البشر أن العدالة ليست وجهًا سياسيًا مُتغيراً، بل جوهرًا إنسانيًا ثابتاً لا يخضع لأهواء القوة والهيمنة.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.