"Spotlight": كيف يُحيي الإنتاج الثقافي الثقيل مجتمعًا بمواجهة جرائمه.

  • "Spotlight": كيف يُحيي الإنتاج الثقافي الثقيل مجتمعًا بمواجهة جرائمه.

========

فالمجتمعات الحية لا تخشى كشف العورات التي تتقيح حتى يتم تطهيرها أولًا بأول، مهما كان صاحب هذا التقيح؛ لأننا كلنا بشر، لا عصمة لأحد، مهما كان يرتدي من مُسوح (دينية - ثقافية - سلطة سياسية).

نحن أمام عمل ليس مُبهرًا فحسب، بل عمل يثير داخلك ملايين الأسئلة التي تطرحها على نفسك وأنت تشاهد الإبهار الحقيقي في البحث عن الحقيقة من أجل الإنسان.

القصة ببساطة: فريق عمل في جريدة محلية أمريكية (بوسطن جلوب)، اسم الفريق "نقطة ضوء" (Spotlight). عمله ينحصر في الصحافة الاستقصائية، ويحضر رئيس تحرير جديد. وبعد أيام، يثير اهتمامهم عمود منشور بإحدى الجرائد الكبرى عن تحرش أحد الكهان المشهورين بالأطفال الصغار. وبعد مناقشات، يتم البدء في العمل للكشف عن هذا الكاهن. وبعد البحث، وجدوا أن من قام بالتحرش بالأطفال ليس كاهنًا واحدًا، بل أصبحوا اثنين، ثم بعد التوسع في البحث، وجدوا أن العدد أصبح 13 كاهنًا متورطًا.

بدأ فريق العمل في مقابلة بعض الضحايا لتوثيق القضية، وتحدث أحداث 11 سبتمبر؛ فيتم ترك الموضوع نظرًا لضخامة أحداث 11 سبتمبر. وبعد فترة، يعود فريق "نقطة ضوء" للعمل، ويتم عرض نتائج البحث على رئيس التحرير، وكان رأيه أن كل هذا الجهد رائع، ولكن ليس هو المطلوب؛ لأنهم في النهاية مجرد أفراد، ونظرًا لقوة الكنيسة، ستقوم بالتغطية عليهم كالعادة. وبعد المناقشات، كانت النتيجة الاتجاه إلى محاربة النظام ذاته.

اجتهد فريق البحث ليجد نفسه أمام 87 كاهنًا قاموا بالتحرش، وذلك بعد العودة إلى أرشيف الجريدة، والذي به قصاصات جرائد قديمة عن التحرش بالأطفال من قبل أفراد الكنيسة، وفهارس الكنيسة نفسها التي تصدرها سنويًا باسم الكهان وسبب نقلهم من أبرشية إلى أخرى. هنا تبرز قيمة البحث الدقيق والمضني في الوثائق القديمة، مُظهرًا أن الحقيقة غالبًا ما تكون مدفونة وتحتاج إلى صبر وجهد كبيرين للكشف عنها.

وبعد التوثيق من المعلومات التي حصلوا عليها، سواء من خلال الضغط الأخلاقي على محامي الكنيسة نفسه، أو من خلال حكم محكمة بالإفصاح عن الوثائق وظهورها علانية، يتم نشر القصة وتفجير قضية ذات خطورة عظيمة على المجتمع ككل. لقد نجح فريق "نقطة ضوء" في اختراق جدار الصمت والتستر المؤسسي الذي بنته الكنيسة لعقود لحماية مرتكبي هذه الجرائم. لم يكن الأمر مجرد أفراد فاسدين، بل نظام متكامل عمل على إسكات الضحايا من خلال اتفاقيات تسوية سرية، وحماية المعتدين من خلال التعتيم والتضليل. هذا البعد المؤسسي هو ما جعل مهمة الصحفيين أكثر صعوبة وأهمية في كشف الحقيقة.

هذه هي الأحداث؛ ولكن السيناريست المبدع جعل كل شيء ذا حيوية، سواء الحوار المكثف أو السيناريو الذي يلهث فيه الجميع، فلم يخرج المشاهد من التركيز عن قضية التحرش إلى قضايا فرعية، بل لتأكيد أن التحرش الجسدي من قبل رجال الدين كارثة إنسانية ضد الأطفال وضد الأسر الفقيرة التي هم منها، وضد الدين ذاته بعد أن يكون قد تم تدمير الإيمان بداخل الأرواح التي سُحقت والأجساد التي اغتصبت.

يأتي المخرج ويعلم قيمة الورق الذي بين يديه، فجعل الصورة ليست بها حيوية حركية تليق بالحدث، بل بها إنسانية بشكل طبيعي إنساني؛ لأننا أمام أصحاب قضية إنسانية، وليس مجرد فريق عمل للحصول على سبق صحفي وانتهى، بل تفاعل وإحساس بالضحايا. لذا، دومًا نجد قلب الجريد نابضًا، ولم نجد الصورة النمطية للصحافة من مكاتب فخمة وكلمات رنانة، ووجدنا مدى تأثر أفراد الفريق أثناء سماع الضحايا، وليس مجرد مصدر معلومات وينتهي دورهم. وقد جعل المخرج المشاهد كلها السهل الممتنع للتركيز على القضية المثارة.

"نقطة ضوء" عبارة عن درس تعليمي عن الصحافة الحقيقية، وكيف تكون، ولماذا وُجدت، ولمن تكتب، ومن هو السلطان عليها، وكيفية البحث الحقيقي. لقد واجه الصحفيون تحديات أخلاقية في التعامل مع حساسية القضية وحماية هوية الضحايا في البداية، مما أضاف طبقة أخرى من التعقيد إلى العمل الصحفي الاستقصائي.

حيث وجدنا أن كافة فريق العمل تركوا المكاتب، وكل واحد يذهب إلى مقابلة، سواء أحد الضحايا، أو أحد المحامين الذين عملوا تسوية مع الكنيسة، أو المحامين الذين يدافعون عن الكنيسة.

التمثيل:

هو بطولة جماعية لأفراد الفريق ("نقطة ضوء")، وجميعهم كانوا على قدر المسؤولية؛ فوجدنا انصهارًا داخل السيناريو والحوار المبدع، فجعلوا الورق الذي أبدع فيه الكاتب شخوصًا حقيقية، وليس تمثيلًا علينا، بل جعلوا المشاهد يصدق بما يفعلون ويقولون من صدق قيامهم بالدور. فنحن لم نرَ ممثلين يؤدون أدوارًا على الشاشة، بل وجدنا المعنى الحقيقي أن تكون باحثًا عن الحقيقة من أجل الآخرين؛ فكان الإبهار من خلال الحركة الحيوية الجسدية والحيوية الفكرية، يُغلف كل ذلك بشعور إنساني حتى يصلوا إلى الحقيقة من خلال الفريق ككل كمجموعة، وليس كأفراد للتميز الفردي المقيت.

الممثلان اللذان قاما بدور الضحية، مع أن المشاهد التي قاما بها قليلة جدًا، ولكنهما رائعان جدًا للتعبير عن انسحاق الروح قبل الجسد نتيجة التحرش والاغتصاب الذي تم لهما.

الموسيقى:

كانت الموسيقى من موسيقار يعرف أن البحث عن الحقيقة عبارة عن حالة ترقب وتحفز؛ فكانت الموسيقى تعبر بشيء من الصخب الهامس كنبض القلب اللاهث وراء الحقيقة، فكانت الموسيقى رائعة ومناسبة.

الجوائز:

جائزة الأوسكار لأفضل كتابة، جائزة الأوسكار لأفضل فيلم.

صناع الفيلم:

  • البطولة: مارك رافالو، مايكل كيتون، رايتشل مكأدامز، ييف شرايبر، جون سلاتري، ستانلي توكسي.
  • المخرج: توماس مكارثي.
  • الإنتاج: توماس مكارثي.
  • الكاتب: توماس مكارثي، جوش سينجر.

القضية الحقيقية:

الفاتيكان (CNN): قال بابا الفاتيكان، فرانسيس الأول، الثلاثاء، إن التحقيق جار حاليًا مع ثلاثة أساقفة فيما يتعلق بملف التحرش الجنسي بالأطفال من قبل رجال دين كاثوليك. هذا يُظهر كيف أن الكشف عن الحقائق يمكن أن يؤدي إلى تحركات ومحاسبة على أعلى المستويات.

ولم يتبين على الفور إن كان البابا يقصد أن التحقيق مع الأساقفة الثلاثة سببه قيامهم بالتحرش الجنسي بأطفال، أم هو بسبب تسترهم على مثل هذه الأعمال، مشددًا على أن مثل هذه التصرفات يجب ألا يكون فيها تهاون مطلقًا.

وبيَّن البابا في تصريحات على متن الطائرة البابوية عائدًا من رحلة استمرت ثلاثة أيام إلى الشرق الأوسط، أنه يعتزم زيارة ضحايا التحرش الجنسي من الأطفال بداية يونيو/ حزيران المقبل.

جريدة الأيام - التاريخ 27 مايو 2014: قدم بابا الفاتيكان فرانشيسكو الجمعة اعتذارًا باسم الكنيسة عن حوادث التحرش الجنسي بالأطفال التي ارتكبها كهنة كاثوليك خلال سنوات سابقة. وأكد أن العقوبات يجب أن تكون "قاسية جدًا" تجاه الجناة، في ما يعد أول اعتذار للبابا منذ انتخابه.

وقال البابا لدى استقباله المكتب الكاثوليكي الدولي للطفولة في الفاتيكان: "أشعر بأن من واجبي أن أتحمل المسؤولية عن كل الأذى الذي تسبب به بعض الكهنة، وهم قلة مقارنة بجميع الكهنة، وأن أطلب شخصيًا الصفح عن الأضرار التي تسببوا بها بالتعدي جنسيًا على الأطفال".  

وأضاف أن الكنيسة تدرك هذا الضرر، وأنه ضرر شخصي وأخلاقي ألحقه رجال الكنيسة، مؤكدًا عدم التراجع عن طريقة التعامل مع هذه المشكلة، والعقوبات التي يجب فرضها.

وعلى خطى سلفه بنديكت السادس عشر، تعهد البابا فرانشيسكو بالتصدي بحزم للاعتداءات على الأطفال، وأنشأ في الفترة الأخيرة لجنة لحماية الطفولة تضم بين أعضائها الإيرلندية ماري كولينز التي كانت ضحية تعديات جنسية.

وفي يونيو/ حزيران 2010، كان البابا السابق قد طلب بإلحاح "الصفح" باسم الكنيسة عن الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وقد لطخت هذه الفضيحة حبريته.  

وكانت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل انتقدت الفاتيكان الذي يستمر -كما يقول خبراءها- في حماية بعض الكهنة المذنبين ويتقاعس عن إرغام الأسقفيات على التشهير بصورة منهجية بتلك الجرائم. هذا يُظهر الصراع بين المؤسسات والسعي لتحقيق الشفافية.  

واعتبرت منظمات للضحايا السابقين أن البابا فرانشيسكو لم يفعل شيئًا، وقد أغضبها بدفاعه عن الكنيسة ودعوته المؤسسات الأخرى إلى الاقتداء بعزمه على عدم التستر بعد اليوم على الفضيحة.

وفي إطار الخلاف حول المعايير الجديدة للتربية الجنسية لدى الأطفال في أوروبا -مع النقاشات حول "نظرية النوع"- انتقد البابا فرانشيسكو في الخطاب نفسه التربية التجريبية و"التلاعب التعليمي" الراهن.  

موقع الجزيرة نت - بابا الفاتيكان يشكل لجنة لحماية القاصرين بالكنيسة من قضايا التحرش - جريدة الأيام - التاريخ 5 ديسمبر 2013. إن كشف مثل هذه القضايا له تأثير مجتمعي واسع يتجاوز محاسبة الأفراد ليصل إلى تغيير السياسات وزيادة الوعي.

ملحوظة:

حيث إن الفيلم يتحدث عن رجال الدين الكاثوليك، فكان كل أفراد فريق "نقطة ضوء" كلهم كاثوليكيين، ورئيس التحرير يهوديّ. الفيلم لم يتعرض للدين كدين، بل تعرض فقط لممارسات رجال الدين الفاسدين فقط. هذا يُجسد كيف يمكن للصحافة المستقلة أن تكون قوة موازية تُخضع السلطة للمساءلة، بغض النظر عن الانتماءات الدينية. رسالة الفيلم عالمية، مُلهمة لضرورة الشفافية والمحاسبة في أي مؤسسة تتمتع بسلطة.




التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.