أهل النهر: تشخيص أزمة الهوية والانهزام الداخلي وسبل النهوض

أهل النهر: تشخيص أزمة الهوية والانهزام الداخلي وسبل النهوض
======

نحن أهل النهر من نحن؟

نحن أهل النهر، نعيش بين الطاووس والنعامة. ربما هي صورة بليغة تجسد الازدواجية التي نعاني منها، فبينما نسعى للتباهي والتظاهر بالقوة، يكمن في دواخلنا شعور بالضعف والجبن، كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال خوفًا من المواجهة.

نحن أهل النهر، مهزمون داخليًا، لذا ندخل إلى أي خيمة فكرية أو أي جيتو حتى تخفي الهزيمة. هذا الهروب الجماعي إلى أيديولوجيات جاهزة أو تجمعات مغلقة قد يكون آلية دفاعية نشأت عبر أجيال من التحديات والصدمات التي تركت آثارًا عميقة على نفسيتنا الجماعية. ربما لم نملك الأدوات أو الفرص الكافية لمعالجة هذه الجراح بشكل جذري، فاخترنا التخدير المؤقت بدلًا من المواجهة الشجاعة.

نحن أهل النهر، متطرفون في كل شيء لأننا فارغون من كل شيء. هذا الفراغ الوجودي قد يكون نتيجة مباشرة لتحولات هيكلية في اقتصادنا ومجتمعنا. عندما نبتعد عن الإنتاج الملموس، سواء كان زراعيًا أو صناعيًا، نفقد الصلة بالشعور بالإنجاز الحقيقي وبقيمة العمل اليدوي. هذا الفراغ يفتح الباب أمام التطرف، حيث يجد البعض في الأفكار الجامدة والمطلقة ملاذًا يعوض غياب المعنى.

هل بسبب أننا لا نقوم إلا بأعمال الخدمات أصبح لدينا كل الأمراض النفسية؟ لأننا لا نزرع ولا نقوم بالتصنيع، فأصبح الفراغ بكل أنواعه هو ما يملأ النفوس. هذا السؤال يطرح مسؤولية النخب الفكرية والقيادية في مجتمعنا. هل قامت هذه النخب بتحليل هذه المشكلة بعمق واقتراح حلول مستدامة؟ هل شجعت على تنويع الاقتصاد والاستثمار في قطاعات منتجة تخلق شعورًا بال purpose والقيمة لدى الأفراد؟

نحن أهل النهر، ملكيون أكثر من الملك، الكارثة دون وعي أو فهم، نوع من إثبات الوجود الفارغ. هذا الولاء الأعمى للسلطة أو للأفكار السائدة، دون تفكير أو تمحيص، قد يكون نابعًا من ضعف في التفكير النقدي وتقليد أعمى للموروثات الثقافية. إنه نوع من البحث اليائس عن هوية من خلال الانتماء المطلق، حتى لو كان هذا الانتماء أعمى وغير عقلاني.

نحن أهل النهر، تتقاذف بنا الأمواج والأنواء ولا نملك إلا السكوت الموحش القاتل بسبب الخوف والرعب تحت مسميات شتى. لكسر هذا الجدار من الصمت والخوف، نحتاج إلى بناء مجتمع مدني قوي يشجع على حرية التعبير ويحمي الأصوات المنتقدة. نحتاج إلى استلهام نماذج تاريخية وثقافية لأفراد وجماعات قاومت الظلم وتحدت الصعاب.

لماذا نحن مهزمون داخليا؟ نحو صحوة ونهضة

التقاليد العفنة والأمثال الشعبية المعبرة عن الانكسار: يجب أن نخضع هذه الموروثات لتحليل نقدي معمق في مناهجنا التعليمية وفي وسائل إعلامنا. يجب أن نسأل: من أنتج هذه الأمثال؟ وما هي الظروف الاجتماعية والتاريخية التي أدت إلى ظهورها؟ وهل ما زالت تعبر عن واقعنا الحالي؟ يجب أن نشجع على خلق أمثال جديدة تعكس قيم الطموح والعمل والإيجابية.

الخوف من الخوف: يتطلب تجاوز هذا الشلل الناتج عن الخوف بناء الثقة بالنفس تدريجيًا من خلال دعم المبادرات الفردية والجماعية الصغيرة التي تحقق نجاحات ملموسة. هذه النجاحات الصغيرة يمكن أن تولد شعورًا بالقدرة على التغيير.

الإيمان اللفظي دون الإيمان الحقيقي: نحتاج إلى ترجمة قيمنا المعلنة إلى أفعال ملموسة في حياتنا اليومية وفي مؤسساتنا. يجب أن يكون هناك اتساق بين ما نقول وما نفعل.

قتل الطموح للغد بسبب أفكار غير صحيحة بالمرة: يجب أن نعيد صياغة رؤيتنا للمستقبل ونؤمن بإمكانية تحقيق طموحاتنا. يجب أن نشجع الشباب على الحلم وعلى السعي لتحقيق أحلامهم، وتوفير البيئة الداعمة لذلك.

مخاصمة النفس: المصالحة مع الذات وتقبل أخطائنا ونقاط ضعفنا هي الخطوة الأولى نحو النمو والتطور الفردي والجماعي. يجب أن نتعلم كيف نغفر لأنفسنا وللآخرين.

التجهيل بكل أنواعه ومستوياته: يتطلب مواجهة هذا التحدي إصلاحًا جذريًا لمنظومتنا التعليمية لجعلها تركز على التفكير النقدي والإبداع وحل المشكلات، بدلًا من الحفظ والتلقين.

استيراد أفكار لا تصلح للمجتمع المصري: نحتاج إلى تطوير فكر مستقل ينبع من فهم عميق لتاريخنا وقيمنا وتحدياتنا الخاصة. يجب أن نكون انتقائيين في استقبال الأفكار الخارجية وأن نكيفها لتناسب سياقنا.

سيطرة كل من العبثيين وأصحاب ثقافات الموت على الفضاء العام: يجب على الأصوات الإيجابية والبناءة أن تجد مساحات أكبر للتعبير عن نفسها في وسائل الإعلام والفن والأدب. يجب دعم المبادرات الثقافية التي تروج لقيم الحياة والأمل والعمل.

إلقاء نفايات وسخامات غير طبيعية على العقول الفارغة: يتطلب ذلك حماية عقولنا وعقول أجيالنا القادمة من المحتوى السلبي والهدام من خلال تعزيز الوعي الإعلامي وتطوير آليات للرقابة الذاتية والمجتمعية المسؤولة.

الخلاصة: إن تشخيص الداء، بهذه الصراحة والألم، هو خطوة حاسمة نحو التغيير. إن الاعتراف بالهزيمة الداخلية ليس نهاية المطاف، بل هو نقطة انطلاق لرحلة استعادة القوة والكرامة. من خلال تعزيز الوعي النقدي، واستلهام الإيجابيات من تاريخنا، والتركيز على العمل المنتج، وتبني لغة الأمل، والانخراط في حوار بناء، يمكن لأهل النهر أن يبدأوا مسيرة النهضة وبناء مستقبل يليق بتضحيات أجدادهم وإمكانيات أبنائهم. هذه الرحلة تتطلب شجاعة في مواجهة الذات، وعزيمة في تحدي المعوقات، وإيمانًا راسخًا بقدرتنا على التغيير.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.