مقهى السعادة



مقهى السعادة
=====

 مقهى "السعادة": ملاذ الحزانى حيث تولد البهجة من رحم الألم

كان يمشي في الميدان، وحيدًا وثقل الحزن يضغط على صدره كصخرة صامتة. رأى لافتة لمقهى باسم مناقض تمامًا لشعوره: "السعادة". دفعه فضول يائس ورغبة خافتة في استطلاع أثر باهت للفرح في عيون الآخرين، إلى الدخول. لكنه سرعان ما وجد نفسه في عالم عجيب!

صمت مطبق يخيم على المكان، لكنه يخترقه صدى مكتوم لضحكة عالية مكتومة هنا، وابتسامة باهتة ترتسم على ثغر شاحب هناك، ورضا عميق يلوح في نظرة شاردة أخرى. استدعى الجرسون بإشارة يائسة. حضر النادل بهدوء مثقل، وتلقى طلبه قهوة بإيماءة رأس صامتة وعينين تفهمان دون سؤال، ثم ذهب ليحضرها وسط عبير خافت لقهوة مرة ممزوجة برائحة بخور غير مألوفة. جلس الرجل على مقعد خشبي عتيق، يحملق في وجوه الرواد الشاحبة تحت الإضاءة الخافتة، عله يفك رموز هذا الصمت المطبق وهذه المشاعر المتناثرة، لكن محاولاته باءت بالفشل.

فجأة، دخل رجل يشع هيبة ووقارًا، تجاعيد عميقة محفورة حول عينيه تحكي قصصًا صامتة عن ليالٍ طويلة من التأمل أو ربما المعاناة. ألقى بتحية سلام هادئة وعميقة على الجميع. ثم وجه نظره الثاقبة إلى الغريب الجالس، الذي كانت الحيرة تنهشه، وألقى عليه السلام بخصوصية. شعر الرجل المستغرب للحظة أنه وجد أخيرًا من يمتلك مفتاح هذا العالم الصامت. لكن الرجل الوقور بادره بكلمات حكيمة: "هكذا أنتم أيها الغرباء، تأتون محملين بأسئلة لم تنضج بعد، وتبحثون عن إجابات قد تجدونها في صمتنا."

نظر إليه الغريب في دهشة وتساؤل. وقبل أن يتمكن من صياغة كلماته، استرسل الرجل الحكيم بنبرة واثقة: "السعادة الحقيقية ليست قناعًا نرتديه لنخفي حزننا، بل هي القدرة على احتضان هذا الحزن، ومعرفته بعمق، والتعبير عنه بصدق كما تراه روحك، لا كما يمليه عليك عالم يصر على البهجة الزائفة."

ثم أشار الرجل الوقور بنظرة شاملة إلى الجالسين: "هنا، في هذا المقهى الذي يحمل اسمًا قد يبدو ساخرًا للوهلة الأولى، نجد 'ملاذ الحزانى'. لكل منا ندبته الخاصة، وقصته التي لا يرويها، ونجتمع هنا لأننا نؤمن بقدسية الضعف الإنساني، ونحترم الألم الذي يشكل جزءًا أصيلًا من رحلتنا. لا نتدخل في طريقة تعبير أي منا عن وجعه، سواء كانت دموعًا صامتة، أو نظرات شاردة نحو الماضي، أو حتى ضحكات تحمل مرارة مكبوتة. نمنح كل شخص مساحة آمنة لتفريغ ما يثقل روحه، حتى يجد السلام الداخلي ويصبح مستعدًا لاستقبال بصيص من الفرح."

تساءل الرجل الغريب، والفضول يتملكه: "هل هذا نوع من العلاج النفسي؟"

أجابه الرجل الحكيم بهدوء: "لا، ليس علاجًا بالمعنى الطبي، ولكنه ترياق إنساني خالص. هنا نصغي إلى أنين القلوب الصامت، ونقدر قيمة الدمعة الصادقة، ونفهم حتى الرقص الخفيف الذي قد يخفي أثقالًا لا تُحتمل."

عند هذه الكلمات، ساد صمت أعمق، صمت مشبع بالفهم والتعاطف. فجأة، وضع الرجل الغريب كفيه على وجهه، وانخرط في بكاء مرير، اهتز له جسده النحيل، وكأن سدًا من الكبت انهار بداخله أخيرًا. وبعد لحظات، رفع رأسه المثقل، وعيناه دامعتان، وقال بصوت عالٍ ومبحوح: "الحمد لله، عدت... عدت إلى نفسي." ثم نهض، وخرج من المقهى وهو يتراقص بخفة ورشاقة في ضوء النهار الخافت، وكأن قيودًا كانت تثقله قد تحطمت.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.