نظرة على عمل سينمائي جديد: اجتهاد بصري وقصة باهتة في سياق الصناعة المصرية
نحن أمام عمل اجتهد صناع العمل فيه الولوج إلى منطقة جديدة من الجمال البصري، وهو جمال التصوير. حيث إن السينما صورة في الأساس، لذا يعتبر مدير التصوير (هيثم حسني) هو البطل الحقيقي لهذا العمل، لأنه قام بالتصوير بطريقة جديدة على الشاشة المصرية، وهي البداية بالزووم الشديد، ثم الصورة البانورامية لذات اللقطة دون تقطيع، وهو ما أعطى رونقًا شديدًا للعمل. يمكن اعتبار هذا الفيلم جزءًا من توجه متزايد في السينما المصرية نحو الاهتمام بالصورة وتقديم تجارب بصرية مختلفة لجذب شريحة أوسع من الجمهور، خاصة الشباب الذي يتأثر بالتقنيات الحديثة وجماليات الصورة المعاصرة.
ومن بعده المخرج (أحمد خالد موسى)، الذي حاول بكل طاقته وضع لمساته دون تقعر، وكأنه المايسترو الخفي ليستثمر طاقات كل عناصر الفيلم لنحصل على عمل مبهر، وهو ما حدث إلا بعض الهنات. صناعة أفلام الحركة بمستوى تقني عالٍ لا تزال تمثل تحديًا في مصر مقارنة بالإنتاجات العالمية الضخمة. قد تكون القيود الإنتاجية أو الخبرات التقنية المتخصصة سببًا في عدم وصول مشاهد الأكشن إلى المستوى المطلوب.
ومن بعدهم بطل الغرفة المظلمة، المونتاج (باهر رشيد)، وكان التقطيع سلسًا دون تعسف للحفاظ على سرعة الأداء والتشويق، إلا بعض اللحظات. أما بالنسبة للإيقاع العام للفيلم، فمن المهم تقييم ما إذا كان قد حافظ على توازن جيد طوال مدة عرضه، وتجنب لحظات الملل أو التطويل غير المبرر.
نحن أمام عمل يصنف أنه فيلم من أفلام الحركة (الأكشن)، وتوجد مطاردات للسيارات والموتوسيكلات وانفجارات، ولكن الإخراج لهذه المطاردات منفذ ليس كما ينبغي أن يكون، فنحن أمام لقطات مقطعة ("تمثيل على أيام")، وليس لقطة طويلة واحدة (long shot). وكان المونتاج والإخراج ليس سيئًا، ولكن ليس مبهرًا كأفلام شريف عرفة وطارق العريان على المستوى المحلي في هذه النقطة. وأيضًا المعارك بين الأبطال، التمثيل كان واضحًا بشكل فج وليس حقيقيًا.
نأتي إلى قماشة الفيلم (القصة)، فنجد أن الكاتب (محمد سيد بشير) وضعنا أمام نماذج معلقة في الهواء بلا تاريخ، إلا من بضع كلمات قيلت في لحظة، ولكن السيناريو خالٍ من رسم تلك الشخصيات، فوجدنا شخصيات باهتة أقرب إلى رسومات الاسكتشات وليس لوحات البورتريهات، وكأنه يقول إن الكل معلق في الهواء بلا هوية، لأن من لا يكون له ماضٍ لا يكون له مستقبل، والكل يدور في المتاهة دون الوصول إلى باب الخروج منها، والكارثة أن الكل راضٍ بهذه المتاهة ومتعايش معها، وكأنها من طبيعة الأمور. مشكلة ضعف السيناريو وسطحية الشخصيات ليست جديدة على السينما المصرية. غالبًا ما يركز المنتجون على الأسماء اللامعة والمواضيع الرائجة على حساب بناء قصص متينة وشخصيات عميقة يمكن للجمهور أن يرتبط بها.
نأتي إلى التمثيل، فوجدنا أداءً للشخصيات المكتوبة وليس معايشة للشخصيات، أو كما قال محمد صبحي في مسرحية كارمن "محكوم عليهم بالتمثيل"، ولكن يحسب للإنتاج حشد كل هؤلاء النجوم في عمل واحد، ومنهم أبطال قاموا بمشهد أو اثنان وهم أبطال لأعمال أخرى مثل (دينا الشربيني - باسم سمرة - طارق فراج)، وإحضار أمير كرارة بنفس كاركتر مسلسل كلبش لاستثمار نجاح المسلسل واستقطاب جمهوره، وكذا مع مصطفى خاطر واستقطاب جمهور مسرح مصر، وهو ذكاء تجاري لا غبار عليه. استراتيجية الاعتماد على حشد النجوم لاستقطاب الجمهور هي تكتيك تجاري مفهوم، ولكنه قد يأتي على حساب جودة العمل الفني إذا لم يتم استثمار هذه الأسماء في أدوار وشخصيات مكتوبة بعناية. من الملاحظ أيضًا تأثير نجاح بعض المسلسلات التلفزيونية على اختيارات الممثلين وأنماط أدائهم في السينما.
البطل الحقيقي في كوكبة نجوم التمثيل هو فتحي عبد الوهاب، معايشة حقيقية للشخصية، فوجدنا ضابط الشرطة المتفاني في عمله على حساب حياته الشخصية، فكان أداؤه به الكثير من العبقرية التي تنبع من التلقائية المستمدة من الإمساك بتلابيب الشخصية والغوص فيها لدرجة اختفاء فتحي عبد الوهاب شخصيًا داخل شخصية الضابط عصام الساخر، وهو يدل على نضوج النجم فتحي عبد الوهاب.
أما النجم أحمد السقا، فعليه مراجعة نفسه جيدًا، لأن هذا ليس أحمد السقا في تيتو أو إبراهيم الأبيض، وقبلهما مافيا وأفريكانو.
عدم التحدث عن غادة عادل بسبب أنها غير مؤثرة سواء في القصة أو التمثيل.
عمل به تسلية جميلة، ولكن دون هدف آخر، لأنه فيلم تجاري بحت، ووضع عينه على شباك التذاكر، وكان له ذلك فقط. ماذا عن الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية؟ هل عززت الأجواء والمشاعر بشكل فعال؟ وهل كانت المؤثرات الصوتية داعمة لمشاهد الحركة؟ وبالنظر إلى تصميم الأزياء والديكور، هل ساهما في بناء عالم الفيلم وتصديق الشخصيات؟ أما بالنسبة للرسالة أو الفكرة، فحتى لو كان الفيلم تجاريًا، هل يمكن استخلاص أي أفكار ضمنية منه؟ وفي النهاية، كيف كان تفاعل الجمهور مع الفيلم؟ وهل حقق النجاح التجاري المتوقع؟ يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمثل هذا الفيلم خطوة للأمام أم للخلف في تطور أفلام الحركة في مصر؟