تَوَحُّش: (اسم) مصدر تَوَحَّشَ
فِي تَصَرُّفِهِ تَوَحُّشٌ: شَرَاسَةٌ، وَحْشِيَّةٌ، خُشُونَةٌ.
التوحش الذاتي
أراه أول الطريق للهروب من الحياة بادعاء القوة الزائفة، ومن ثم البلطجة مع النفس بالإغراق في الملذات الحسية أو التقوقع داخل النفس.
ولكن ما هو السبب لهذا؟
"ﻣﻌﺎﻙ ﻗﺮﺵ ﺗﺴﻮﻯ ﻗﺮﺵ" مثل مصري، وهو الترجمة الشعبية للرأسمالية المتوحشة التي لا تعترف إلا بقيمة المال للفرد وتنسف سلم القيم. ومن ثم تبدأ سلسلة التوحش الذاتي للفرد، وبعد فترة ينتقل التوحش للمجال العام عن طريق ساحات الوعي المضللة، والتي قد تتجلى في وسائل الإعلام التقليدية، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تغذي المقارنات السلبية، والخطابات الشعبوية التي تستغل المشاعر، وحتى بعض الأطروحات الأيديولوجية التي تروج لفردانية مفرطة. هذه الساحات، التي تديرها نخبة فاسدة ومفسدة ومنظومة علمية قد تركز على الجوانب المادية دون الروحية، تغذي التوغل داخل ذاتك الفارغة من أي قيم حقيقية لتضع قاذورات الفكر من علمانية وحداثة ورأسمالية، وهي ثمار لم تنبت إلا في الأراضي التي كانت الهمجية تسيطر عليها في العصور ما قبل ما يسمى النهضة الأوروبية. ويتجلى هذا التوحش الذاتي في المجال العام في صور مختلفة من اللامبالاة بمعاناة الآخرين، والاستغلال، وحتى العنف اللفظي والجسدي.
من أخطر أسباب التوحش الذاتي هو عدم البوح بالعلل النفسية الناجمة عن الصدمات الحياتية التي تمر بنا بسبب القيود الاجتماعية والعرف والعيب وكل تلك الموبقات التي تقتل الإنسان من داخله وتحوله إلى كائن شبه ميت فاقد للإحساس غير مبال، ومن ثم تدريجيًا يتحول إلى وحش صامت حتى يلتقي بمن هو مثله، فيتحول الصمت الإجباري إلى صخب مدمر لهما ولكل من حولهما. هذه القيود تخلق عبئًا نفسيًا ثقيلاً يؤدي إلى تشوهات في الشخصية وتراكم الغضب والإحباط الذي يبحث عن متنفس مدمر. كما أن أساليب التربية والتنشئة الاجتماعية التي قد تشجع على كبت المشاعر أو التركيز المفرط على النجاح المادي الظاهري قد تساهم في نشأة هذه الحالة.
من أخطر أسباب التوحش الذاتي أيضًا الكراهية المجانية، والتي هي الكراهية بدون سبب وبدون الحصول على نتائج منها، اللهم إلا تدمير الذات. قد تكون هذه الكراهية آلية دفاعية ناتجة عن شعور داخلي بالعجز أو الدونية، حيث يتم توجيه الغضب نحو الخارج كبديل لمواجهة الذات.
والسبب في الكراهية منه ما هو ذاتي ومنه ما هو خارجي، ستركز على الأسباب الذاتية للكراهية وهي تتمثل في رفض الواقع المعاش وكراهية الكل بما فيها نفسك، لأنك ترى أنك الأحق بكل النعم التي في أيدي الآخرين دون أن تحرك ساكنًا للحصول على تلك النعم. في عالم يسوده الشعور بالضياع وأزمات الهوية والمعنى، قد يلجأ الفرد إلى هذه الكراهية كنوع من إثبات الوجود السلبي.
والكسل الذاتي له أسماء عدة منها "الانتخة"، ومنها "الفهلوة"، ومنها الرشوة التي تم تغير اسمها إلى "القهوة والشاي والإكرامية"، وفي اللغة أصبح اسمها "كل سنة وأنت طيب". تعمل هذه الآليات كمسكنات مؤقتة للألم الداخلي أو كطرق ملتوية للحصول على الاعتراف أو المكاسب دون بذل جهد حقيقي، مما يعمق الشعور بالدونية وعدم الكفاءة. كما يمكن ربط التوحش الذاتي بأنواع مختلفة من الإدمان كمحاولة للهروب من الذات ومواجهة الألم.
لأنك تريد أن تصبح مثل الآخرين في الحصول على بعض الامتيازات، فتسلك إما طريق الحرام تحت أي مسمى، أو تسلك طريق الكراهية حتى ترضي ذاتك المريضة الكسولة أنك من الأحياء، وفي حقيقة الأمر أنت ميت، ولكن للأسف لأنك فاقد للشعور الإنساني فلا تعرف تلك الحقيقة.
الحل لنسف التوحش الذاتي هو العودة لذاتك والاعتراف أنك إنسان ضعيف، والاعتراف أن للكون خالقًا لا يظلم أحدًا أبدًا. زيادة الوعي بالذات ومشاعرنا من خلال التأمل أو اليقظة الذهنية قد تكون خطوة أولى نحو كسر هذه الدائرة. كما أن تلقي العلاج النفسي والدعم الاجتماعي يمكن أن يوفر أدوات وآليات للتغلب على هذه الحالة.
﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ (46) فصلت
﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ (28) النساء
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ (37) الإسراء
الحل أنت والمشكلة أنت فاختر. علينا أن نبحث عن نماذج إيجابية في ثقافتنا ومجتمعاتنا تشجع على التعاطف والتواصل الصادق والبحث عن معنى أعمق للحياة.