سأكتب اليوم كما لم يكتب قلمٌ من قبل، سأطلق العنان لروحي لتسعد بذاتها ولذاتها فقط. تَرَكْتُ خلفي أسئلة العقل ومنطق الفكر، لأهيم في ملكوتٍ لم تطأه قدم، وليطلق الكون عليَّ كل النعوت التي يشاء. لن ألتفت إليكم، لأنني سأكون محلقًا في سمواتٍ لم ترها عيني من قبل، سأطرق أبوابًا تفتحت لي للمرة الأولى، وسأسلك طرقاتٍ لم تعهدها خطواتي، يصحبني في رحلتي صديقي الوافي "محسن"، النجم الذي لم يخفت بريقه في سمائي يومًا، الرفيق الذي لم يخذلني في منعطفات الحياة. دعوني أتمتع بصحبته وبهذه الرحلة المستحيلة التي تولد من رحم الحلم.
"بافكر فيك وأنا ناسي"، مقطعٌ من أغنية هجرتك، لكنه يحمل في طياته فلسفةً تحتاج إلى مجلداتٍ لشرح أبعادها، والأهم، يحوي كميةً من الحب والهيام لا يمكن الإحاطة بها بكلماتٍ عابرة. إنه ليس حب أشخاصٍ زائلين، بل هو حبٌ للحياة المتجلية في عيون الحبيب، حبٌ للوجود الذي أشرق بنوره في ناظريّ. إنه حب الحياة التي تمنيتها في يومٍ ما، ولم أسعَ إليها، بل سعت هي إليَّ، وعندما تلاقينا، سرى سحرٌ خفي بين الروحين. إنه حبٌ للحب ذاته، لا لأغراضٍ دنيوية مهما سما نبله، بل هو حبٌ لذات العاشق التي تستكين مطمئنةً في عيون المعشوق. إنه حب الحلم الذي يحمله الشوق إلى روحي التي كانت متشظيةً في قسوة الواقع، فكان اللقاء بلسمًا يلملم الشظايا ليولد "أنا" جديدًا. إنه حب الحياة حتى لو كانت مجرد وهمٍ لذيذ، أو حلمٍ عابر لا جذور له على أرض الواقع، ولكنه يسعد الروح ويمنحها معنىً. "هجرتك حتى أجعلك تبحث عني"، وعندما تجدني، ستجد الحلم الذي طال انتظاره. "هجرتك حتى تعرف قيمة الحرية" المطلقة، دون قيدٍ حتى من قيد حبي، حريةً حقيقية تنبع من أعماق الذات. "هجرتك حتى تعلم من أنت أولًا، ثم تعلم من أنا"، مع كامل الاعتذار لعبقري الشعراء أحمد رامي الذي استلهمت كلماته.
"امتى الزمان يسمح يا جميل واسهر معاك على شط النيل"، لقد جاد الزمان وأفاض بكرمه، وقبلتكِ، ولكن ليس على شط النيل الفاني، بل على حوافي سمائكِ الشاسعة، حيث تتراقص النجوم وتهمس الأسرار. قبلتكِ فوجدتُ ما لم يخطر ببالي يومًا، ما لم يتجسد حتى في أزهى أحلامي الخيالية، لأنكِ أكبر من أحلامي الضيقة وأسمى من خيالي المحدود. قبلتكِ ونهلتُ من عينيكِ رحيق الحياة السرمدي، قبلتكِ وانطلقت مسامات جلدي لتروي قصة حبٍ عجز لساني عن نطقها. لأن الإحساس غير العادي الذي لم أعرفه من قبل، لا يملك قاموسي اللغوي كلماتٍ تستطيع تحمل تلك الأحاسيس النورانية التي تغمرني بوجودكِ. قبلتكِ بعد أن أخرجتني من قوقعة ذاتي لأراكِ بوضوحٍ تام، قبلتُ الأسطورة التي خرجت من ركام الأساطير القديمة لتكون أسطورتي الفريدة، قبلتُ المصباح السحري الذي أخرج النور الباهر الذي لن يراه إلا قلبي وقلبكِ، لأنه يحتاج إلى روحٍ استثنائية مثلكِ، فأنتِ الأسطورة الاستثنائية التي لن تتكرر في تاريخ العشق.
"حبيتك تنسيت النوم"، لأن طيفكِ يسكن جفوني. "حبيتك ونسيت العالم بما فيه"، لأنكِ أنتِ العالم كله وما يحتويه. "حبيتك ونسيت نفسي"، لأني مطمئن عليها وهي ترفرف بجناحيها داخلكِ. "حبيتك ونسيت كل شيء وأي شيء"، لأنكِ أنتِ الشيء الثمين الذي لم أبحث عنه، بل أرسله القدر هديةً لروحي. "حبيتك ونسيت أن أقول لكِ بحبك"، لأن حبكِ أسمى من الكلمات والمعاني الإنسانية المحدودة، حبٌ يسكن الأعماق ويتجاوز اللسان. حبيتكِ... صمتًا ينطق بكل اللغات، وشوقًا يحملني عبر المسافات، ورجاءً بأن تحتضن روحي روحكِ إلى الأبد.