الأراجوز: صوت الحق الساخر وفن الانشغال بالذات
الأراجوز: صوت الحق الساخر ودرس في حدود الذات
يُعرف الأراجوز في المخيلة الشعبية كشخصية هزلية ذات صوت مميز، تبعث الفرح في قلوب الأطفال وبعض الكبار. لكن السينما الحقيقية اتخذت منه رمزًا أعمق؛ إنه صوت الحق الذي يقول الحقيقة بأسلوب ساخر يفهمه الصغار والكبار على حد سواء. إن الأراجوز، بحدته وصراحته تحت غطاء الهزل، هو شخصية قادرة على تجاوز الحواجز الاجتماعية أو الخوف من السلطة بطريقة لا يستطيعها الإنسان العادي. هذا التناقض بين مظهره البسيط أو "الهزلي" وعمق الرسالة التي يحملها هو ما يمنحه قوة فريدة في إيصال النقد اللاذع أو الحقيقة المرة بطريقة مقبولة ومؤثرة.
نرى ذلك جليًا في عدة أعمال سينمائية ترسخت في الوعي الجمعي العربي:
- فيلم "الزوجة الثانية"، حيث لم يكن الأراجوز مجرد كوميديان، بل كان بمثابة الإلهام الذي أيقظ البطلة ودفعها لمعرفة طريق المقاومة لكل المجتمع الفاسد المتمثل في العمدة المتسلط، والمأذون، وضباط الشرطة، وكل من حولهم من رموز الفساد والقهر.
- فيلم "الأراجوز" للممثل العالمي الكبير عمر الشريف، حيث يجسد محمد جاد الكريم شخصية الأراجوز في القرية، ويرى من خلال هذه المهنة البسيطة والمؤثرة أنه يستطيع توعية الناس ومحاربة الفساد بأسلوبه الخاص، مستغلًا قدرته على مخاطبة القلوب والعقول دون قيود.
الحكمة الخالدة: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"
صاحب هذا المقال يسعى لترسيخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". وهو حديث أراه بمثابة العمدة الذي لو طُبق كما ينبغي في حياتنا اليومية، لتناقصت الأمراض النفسية الرهيبة التي تعاني منها كافة المجتمعات المعاصرة بشكل ملحوظ. إن الانشغال المفرط بما لا يعنينا من أمور الآخرين أو قضايا لا تخصنا مباشرة، يستهلك طاقة الإنسان النفسية والعقلية بشكل هائل، ويصرفها عن التركيز على ذاته، وتطويرها، وتحقيق أهدافه الخاصة، أو حتى الاستمتاع بلحظات حياته البسيطة. على النقيض تمامًا، فإن التحرر من هذا الانشغال الزائد يعزز السلام الداخلي، ويسمح بتركيز الطاقة نحو الإبداع الشخصي، وتحقيق الذات، والوصول إلى حالة من الرضا والسكينة.
بناءً على هذا الاستهلال، يود صاحب المقال إرساء فكرة مهمة للغاية تتعلق بحرية التعبير وتقبل النقد: إذا كانت هناك فائدة ما مما أكتب، فخذها دون انتظار كلمة شكر مني، لأني أرى أن هذه مهمتي ورسالتي. أما إذا لم يعجبك أي شيء، فاتركه وشأنه دون أن تمكث في ظلام ذاتك تنتظر كل كلمة لتدخل بين الحروف لتقتنص فكرة داخلية خاصة بك، لتسقطها على حروف كلماتي، وهي ربما لم تمر على خاطري من الأساس.
إن فكرتك التي كونتها مصطنعة من خلال تصوراتك الذهنية المسبقة، والتي تريد فرضها على صاحب المقال، هي مشكلتك وليست مشكلة صاحب المقال. لأنك قد لا تقوى على الكتابة أو التعبير لأسباب عدة منها:
- عدم وجود الموهبة الحقيقية للتعبير عن أفكارك بوضوح وجاذبية.
- عدم وجود الشجاعة والصراحة الكافية لطرح أفكارك الخاصة بشكل مستقل.
- عدم القدرة على تقبل النقد البناء، أو عدم القبول عند الآخرين لأفكارك حين تُطرح بوضوح.
لذا، لا تراني ولا تقرأ لي من خلال نفسيتك التي حالتها لا أعرفها ولا أريد أن أعرفها، فهذا شيء يخصك تمامًا. دعني وشأني أمارس ما أراه يسعدني ويعبر عن ذاتي، مهما كان هذا الشيء تافهًا في نظر البعض، أو غير موضوعي، أو هزلي، أو لا يمت للواقع بصلة. الكاتب هنا يمارس بوضوح الشجاعة والصراحة التي يدعو إليها، مؤكدًا على مصداقية موقفه وحقه في التعبير بحرية.
تأصيل المصطلحات
- المخيلة: هي القدرة الفطرية الكامنة في العقل البشري على خلق أفكار أو صور عن عوالم من أشخاص أو أحداث غير واقعية كليًا أو جزئيًا. يتم ذلك بدءًا من عناصر ومدركات يستمدها العقل من إدراكاته الحسية للعالم الخارجي، وهي قدرة لا تُشترك بالضرورة بنفس الكيفية أو المحتوى بين جميع الناس.
- مُخَيِّلة (اسم): تُشير إلى القوة الذهنية التي تُخَيِّل الأشياء وتُصوِّرها في الذهن، وتُعد بمثابة مرآة العقل التي تعكس الأفكار والتصورات.