إحنا فين ورايحين على فين؟ المجتمع المصري في دوامة التغيير


  • إحنا فين ورايحين على فين؟ 
  • المجتمع المصري في دوامة التغيير
  • =============




    تغير المجتمع في مصر: من ثنائية الأخلاق الوهمية إلى البحث عن بوصلة جديدة

    يتعجب البعض، ممن يتمسكون برؤى أخلاقية جامدة وقائمة على تصورات مثالية للعرف والتقاليد، من التحولات اللي بتحصل في المجتمع المصري. ممكن يوصفوا التغيرات دي بأنها انحراف أو بعد عن "الأصول".

    لكن، للي بيبصوا للموضوع بالنظرة دي، نقول: إن فهم مسار التغير الاجتماعي عملية معقدة وطويلة الأمد. فالمجتمعات مش بتتحول بين يوم وليلة، بل بتخضع لتراكمات تاريخية وثقافية واقتصادية وسياسية. وممكن نلاحظ بدايات التحول ده في مصر مع الحملة الفرنسية والصدمة الحضارية اللي عملتها، واللي فتحت الباب قدام محمد علي وخلفائه لتبني شوية مظاهر من التحديث.

    التأثر ده وصل لذروته في الفترة من سنة 1919 لحد سنة 1952، واللي بيتسميها ساعات فترة "شبه الليبرالية". العصر ده كان نتاج للانفتاح المتزايد على المنتجات الثقافية الغربية، زي الأدب والفنون والأفكار السياسية، وده بدأ يعمل خلخلة في شوية مفاهيم وقيم تقليدية.

    ومع قيام حركة يوليو سنة 1952، بدأت مرحلة جديدة من محاولات التغيير الاجتماعي الموجه. مرة باسم الاشتراكية، بسياسات التأميم وإعادة توزيع الثروة، ومرة باسم القومية العربية، اللي سعت لبناء هوية جماعية جديدة وتوحيد الصفوف. وفي أوقات تانية، كانت الأولوية للي اتسمى "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". قاد المرحلة دي رموز فكرية وإعلامية كبيرة، اتعلمت في فترة ما بين 1919 و 1952 (زي محمد حسنين هيكل ومدرسته الفكرية، ثروت عكاشة وتوجهاته الثقافية، صلاح نصر وجهازه الأمني، عبد الحكيم عامر ونفوذه السياسي). بس المحاولات دي ما حققتش النتائج اللي كانت متوقعة بالكامل.

    عهد أنور السادات شهد تحول كبير قوي. بسياسة الانفتاح الاقتصادي، اتفككت أنساق اجتماعية كتير كانت موجودة، واتمهد الطريق لظهور قوى اقتصادية جديدة، جنب النخب التقليدية. كان الهدف من ده، جزء منه، ضمان ولاء مختلف القوى للسادات بعيد عن كاريزما جمال عبد الناصر الطاغية. إلا إن الانفتاح ده، اللي زود أهمية الفلوس والقيم المادية، ما حققش الاستقرار الاجتماعي المطلوب.

    في عهد حسني مبارك، وبعد فترة تمهيدية، ظهر جيل جديد من اللي حاولوا "يهندسوا المجتمع"، مستفيدين من تجارب المراحل اللي فاتت. ظهرت أسماء زي فتحي سرور، وصفوت الشريف، وكمال الشاذلي، وزكريا عزمي كشخصيات مؤثرة في رسم السياسات وتوجيه المجتمع. وبعدين، مع صعود جمال مبارك ونفوذ المقربين منه زي رشيد محمد رشيد، وأحمد نظيف، ومحمود محيي الدين، وأحمد عز، وبروز دور حبيب العادلي في تقوية سلطة الأجهزة الأمنية، البلد اتجهت ناحية تعزيز نموذج رأسمالي ممكن نوصفه بـ "المتوحش"، وده صاحبه تفاوتات اقتصادية واجتماعية بتزيد.

    في ظل التراكمات دي كلها، المجتمع انفجر في أحداث يناير 2011 وتداعياتها. الانفجار ده كان زي رفض شامل لكل محاولات "القولبة" المجتمعية اللي فاتت، وبداية لمرحلة بيحاول فيها المجتمع يشكل نفسه تاني على حسب ثقافته الخاصة، وهي خليط معقد من كل اللي فات، بالإضافة للتأثير الجامد للانفجار المعلوماتي والشبكة العنكبوتية، اللي فتحت آفاق معرفة وتواصل ما كانتش موجودة قبل كده، بعد سنين من القيود اللي كانت موجودة حتى أيام أحمد سعيد ومذياع "صوت العرب".

    علشان كده، إحنا عايشين دلوقتي في فترة ممكن نوصفها بـ "الفوضى الخلاقة"، وهي مرحلة بحث صعب عن بوصلة أخلاقية جديدة. باين إن البوصلة دي بتحاول ترتكز على مفاهيم زي الحرية الشخصية المطلقة (بما فيها مفاهيم جديدة عن الحرية الجنسية)، وصعود قيمة الفلوس والمادة عشان تبقى معيار أساسي للتقييم، وبييجي بعدهم الرغبة في المنصب والجاه. وممكن ناس كتير ما تشوفش أي مشكلة في الحصول على كل ده بأي طريقة ممكنة، يمكن اترسخ في الوعي الجمعي إن دي "قواعد اللعبة الجديدة"، حتى لو ده أدى لتفكك شوية قيم وروابط مجتمعية تقليدية.

    في الآخر، ممكن المجتمع المصري يشهد صياغة عقد اجتماعي جديد مبني على اللي هيتبقى من "الفوضى" دي وعلى الأخلاق الجديدة المستمدة من الفكر الإنساني، مع دور الدين اللي ممكن يقل ويبقى علاقة فردية بين الإنسان وربه بشكل أساسي.

    التعليقات
    0 التعليقات

    ليست هناك تعليقات :

    إرسال تعليق

    مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

    يتم التشغيل بواسطة Blogger.