==================
يتصور البعض من آحاد الناس (الناس العادية) أنه أصبح سلطة لوجود شلة من المتابعين والزياطين أو المؤهلالاتية حوله ومعه. ومن ثم يصبح مالك الحقيقة المطلقة، ومن يعارضه يكون مصيره وراء الشمس، سواء منه أو من شلته الميمونة. لأن هذا الشخص قام ببناء شخصيته داخل الشلة بالمزايدة ودغدغة المشاعر لهذا القطيع المزعوم. هنا، لا يقتصر الأمر على مسؤولية هذا الشخص المتوهم بالسلطة، بل يمتد ليشمل مسؤولية ذلك "القطيع المزعوم" الذي يكرس هذه السلطة الزائفة من خلال التصديق الأعمى، والتزكية المبالغة، والتحيز التأكيدي، والمشاركة في إقصاء المعارضين. ما هي دوافع هذه التبعية؟ هل هي بحث عن هوية، شعور بالانتماء، أم خوف من الوحدة؟ وعلى النقيض من هذه "السلطة الزائفة"، تتميز القيادة الحقيقية بالاستماع الفعال، والتعاطف، والقدرة على تجميع وجهات النظر المختلفة نحو هدف مشترك، بدلاً من فرض الرأي وإقصاء الآخرين.
هل يعني ما سبق أنني أمتلك الحقيقة بمفردي وأدعي أنني العاقل الوحيد في محيط المجنون؟ الإجابة القاطعة هي: لا. بل دوماً أرى أنني مجرد تلميذ عند أي صاحب رأي حقيقي، حتى لو كنت مختلفاً معه في التناول والطرح. وكي نتجنب الوقوع في فخ امتلاك الحقيقة المطلقة، من الضروري ممارسة النقد الذاتي المستمر، ومراجعة أفكارنا ومعتقداتنا، وتقبل احتمال الخطأ كجزء أساسي من النمو الفكري.
سبب الكتابة الآن هو نوع من أنواع وضع أرضية مشتركة بيننا جميعاً للنقاش المفيد المثمر، حتى لا تكون كل أفعالنا وتصرفاتنا عبارة عن حوار الطرشان، وحتى لا يكون مضيعة للوقت والجهد لأنه حرث بالماء. وطالما أننا نمارس لعبة فرد العضلات على بعضنا البعض، والتعملق الزائف هو ما يصب في خالة العبث، حتى لو كانت الموضوعات في منتهى الأهمية. لأننا تركنا الموضوع الأساسي وهو الأفكار، لنمارس لعباً عبثية للانتصار الوهمي في إثبات أننا الصح والباقي خطأ، أو أننا نحن نمتلك الحقيقة المطلقة والباقي لا يفهمون شيئاً. ومن ثم يتم اغتيالهم معنوياً عن طريق التسفيه والملاسنة الفارغة، مع أن الكل من آحاد الناس كما قلت آنفاً. وهذا إن دل يدل على الهشاشة الفكرية، وله دلالة أخرى أن كل منا داخله فرعون صغير أو ديكتاتور دون أن يدري. يمكن التعمق في جذور هذه النزعة من خلال استكشاف تأثير التربية والتنشئة، والخوف من فقدان السيطرة، والحاجة إلى الشعور بالأهمية، والتأثيرات المجتمعية والثقافية. يلعب الخوف دوراً هاماً هنا، سواء كان خوفًا من المجهول، أو من فقدان المكانة، أو من التغيير، حيث يمكن أن يدفع الأفراد إما إلى تبني سلوكيات متسلطة أو إلى الانضمام إلى "القطيع" خوفًا من العزلة أو الانتقام. كيف يمكننا كأفراد ومجتمعات العمل على ترويض هذا "الفرعون الصغير" بداخلنا من خلال تبني التواضع الفكري، والاعتراف بمحدودية معرفتنا، والاستعداد للتعلم وتقدير وجهات النظر المختلفة؟
من هنا يثور سؤال وجودي وهو: كيف لمن يمارس الإقصاء والديكتاتورية يطالب بالحرية؟ إلا لو كان يطالب بالحرية له فقط أو على مقاسه فقط. هنا، يبرز الفهم الناقص لمفهوم الحرية، التي ليست مجرد حق فردي مطلق، بل هي أيضاً مسؤولية تجاه الآخرين والمجتمع. الحرية الحقيقية تزدهر في بيئة من الاحترام المتبادل والاعتراف بحقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم بحرية. إن اللغة المستخدمة في هذا السياق تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الواقع، حيث يمكن أن تكون أداة للإقصاء والتهميش أو أداة للتواصل والاحترام. إن هذا السلوك لا يقود فقط إلى حوار عقيم، بل يحمل أيضاً عواقب بعيدة المدى على الأفراد والمجتمعات، مثل الجمود الفكري، وتآكل الثقة، والاستقطاب والانقسام، وتأخر النمو والتقدم. من المهم أيضاً الإشارة إلى أن هذه الديناميكيات قد تختلف حدتها وتجلياتها في سياقات مختلفة، بما في ذلك تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على تفاقم هذه الظاهرة من خلال فقاعات المرشحات وغرف الصدى. إضافة إلى ذلك، يجب أن نؤكد على البعد الأخلاقي في تعاملنا مع الآخرين، حيث أن الإقصاء والتسفيه ليسا مجرد سلوكيات غير منتجة، بل هما أيضاً غير أخلاقيين. لتحقيق تفاعل صحي، يجب أن نسعى لتحقيق توازن بين الثقة بآرائنا والانفتاح على آراء الآخرين، مع تطوير ثقة بالنفس مبنية على أسس متينة من المعرفة والتفكير النقدي، والحفاظ على استعداد دائم للاستماع والتعلم.
يا سادة، نحن أمام مشكلة حقيقية لو تعلمون! لمواجهة هذه المشكلة، يقع على عاتق المؤسسات التعليمية والإعلامية دور في تعزيز ثقافة الحوار وتقبل الاختلاف من خلال المناهج التعليمية وتقديم وجهات نظر متنوعة. على المستوى الفردي والجماعي، يمكننا تعزيز التفكير النقدي، وتنمية مهارات الحوار، وبناء ثقافة التسامح وقبول الاختلاف، ومحاسبة السلوكيات الإقصائية. دعونا نسعى جميعًا نحو بناء مجتمعات تقوم على الاحترام المتبادل، والإنصات الفعال، والتقدير للتنوع الفكري، مما يخلق بيئة أكثر صحة وإنتاجية للجميع.